رئيس التحرير : مشعل العريفي

السحب من أكبر صندوق سيادي في العالم يثير قلق النرويجيين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيفة المرصد:هذا العام سيتبين أنه نقطة تحوّل بالنسبة لأكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، لأنه للمرة الأولى منذ عقدين تم سحب الأموال من صندوق النفط البالغ 890 مليار دولار في النرويج من قِبل الحكومة في أوسلو.
السحوبات حتى الآن صغيرة مقارنة بحجم الصندوق الذي توسع بسرعة ليُصبح واحدا من أكبر المستثمرين في العالم، على خلفية الفائض الذي حققته صناعة النفط في النرويج.
لكن بقدر ما يتم تهوين المسألة من قِبل السياسيين ومسؤولي الاستثمار في النرويج، إلا أن السحوبات مهمة كجزء من نقاش مستمر حول مستقبل صندوق النفط ومقدار المخاطر المُستعد لاتّخاذها في الفترة التي يُمكن أن تُلحق فيه أسعار الفائدة المنخفضة الضرر بعوائده في المستقبل.
يقول أحد رجال الأعمال البارزين في النرويج، لم يشأ الكشف عن اسمه: "هذا الصندوق من المفترض أن يدوم لأجيال ومع ذلك نحن نستفيد منه منذ الآن - قبل عدة أعوام بكثير مما كان يُفترض أن نفعل. إذا واصلنا الإنفاق كما نفعل ولم يستطع الصندوق تحقيق عوائد لائقة، عندها يُمكن أن ينتهي بنا الأمر بأن نلتهمه".
لكن إسبن هنريكسن، وهو أستاذ مُساعد في كلية بي آي لإدارة الأعمال النرويجية، يقول إن السحوبات لا ينبغي أن تُعتبر عجيبة فوق الحد، وهي وجهة نظر يتفق معها أوشتاين أولسون، مُحافظ البنك المركزي النرويجي.
وكشف صندوق النفط الجمعة الماضي أن الحكومة سحبت 24 مليار كرونة نرويجية (ثلاثة مليارات دولار) في الربع الثاني، بعد سحب 21 مليار كرونة في الربع الأول. ويتوقع سحب 40 مليار كرونة أخرى خلال بقية العام من أصول الصندوق البالغة 7.35 تريليون كرونة.
لكن هنريكسن، الذي يُقدّم المشورة للحكومة حول صندوق النفط، يُجادل بأن هناك اتجاهين يتحركان ضد النرويج يُسببان القلق: أسعار النفط المنخفضة والمعدلات المتوقعة المنخفضة للعوائد للمستثمرين.
انخفاض أسعار النفط والإنفاق الحكومي الأعلى مسؤولان عن السحوبات الحالية. ويُسمح للحكومة النرويجية بإنفاق ما يصل إلى 4 في المائة من الصندوق كل عام في ميزانيتها.
وحتى هذا العام، حجم المال المسحوب من الصندوق دائماً ما كان أقل من مبلغ عوائد النفط التي تُعيدها الحكومة ما أدى إلى متوسط تدفق دخل سنوي يبلغ نحو 210 مليارات كرونة خلال العقد الماضي.
لكن إيرادات النفط والغاز التي يتم توليدها من خلال الضريبة على الإنتاج فضلاً عن أرباح الأسهم من الشركات الحكومية انخفضت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة.
وتم تحديد النسبة البالغة 4 في المائة لتعكس معدل العوائد المتوقع من صندوق النفط. لكن كثيرين، بمن فيهم مُحافظ البنك المركزي، يشككون في ما إذا كان صندوق النفط يستطيع تحقيق هذا مع مزيج أصوله المكون من 60 في المائة أسهم، و37 في المائة سندات، و3 في المائة عقارات. وحقق الصندوق عوائد بنسبة 1.3 في المائة في الربع الثاني و0.6 في المائة فقط في العام الماضي. نتيجة لذلك، اقترح أولسون تخفيض المبلغ الذي يُمكن أن تُنفقه الحكومة إلى 3 في المائة أو حتى أقل.
وعيّنت الحكومة لجنة -من ضمنها البروفيسور هنريكسن- في كانون الثاني (يناير) للنظر فيما إذا كان ينبغي لصندوق النفط استثمار مزيد في الأسهم لتحقيق عوائد أعلى بسبب انخفاض عوائد السندات. وحيازاته من الأسهم الآن تساوي نحو 1.3 في المائة من كل شركة مُدرجة في العالم ما يجعله أكبر مستثمر أسهم في العالم.
وأشار أولسون إلى أن السندات لا يجب أن تُشكل أكثر من 20 - 25 في المائة من الصندوق، حيث تكون البقية أسهما أو أصولا ملموسة مثل العقارات أو البنية التحتية.
تروند جراندي، نائب الرئيس التنفيذي، يقول: "المسألة ليست فعلاً ماذا ينبغي أن نفعل لنصل إلى 4 في المائة، لكن ما مدى رغبتنا في اتخاذ المخاطر؟".
وأكد جراندي يوم الجمعة مرة أخرى قلق الصندوق بشأن الاحتفاظ بمثل هذه النسبة العالية من السندات، على اعتبار أن ما يُقارب ربع محفظته الاستثمارية للدخل الثابت يتم تداولها الآن بأسعار فائدة دون الصفر. وأضاف: "لقد شهدنا عقودا من أسعار الفائدة المنخفضة وهذا منح مستثمري السندات مكاسب رأسمالية. هناك علامة استفهام حول إلى أي مدى يُمكن أن تنخفض أسعار الفائدة وإذا كنّا نتوقّع الحصول على ذلك النوع من المكاسب الرأسمالية في المستقبل". مع ذلك، زيادة نسبة الأسهم ليست دون مخاطر. فقد خسر الصندوق ما يُقارب ربع قيمته في عام 2008 ويشعر المسؤولون بالقلق حول كيف سيتعامل الشعب النرويجي -المالك النهائي للصندوق- مع انخفاض أكبر بكثير. وهناك أيضاً أسئلة حول كيف يعمل الصندوق نفسه. تدفقاته الداخلة كانت كبيرة جداً حيث كان قادراً على إعادة التوازن لمحفظته في الماضي دون البيع القسري الذي يُمكن أن يضطر إليه المستثمرون المؤسسيون. مثلا، خفّض تعاملاته مع أوروبا من 60 في المائة إلى 40 في المائة في محفظته الاستثمارية للدخل الثابت، من خلال استخدام نقود جديدة لشراء سندات الأسواق الناشئة بدلاً من بيع الأصول القائمة.
حتى الآن، يقول الصندوق إن بإمكانه التكيّف مع السحوبات من خلال تدفق النقود الذي يحصل عليه من أرباح الأسهم والفوائد على السندات، التي وصلت العام الماضي إلى 191 مليار كرونة. بعد الزيادة السريعة في الحجم على مدى العقد الماضي، يعتقد بعضهم -بمن فيهم مُحافظ البنك المركزي- أن الصندوق وصل إلى أكبر حجم يمكن أن يصل إليه. وأبلغ أولسون "فاينانشيال تايمز" في وقت سابق من هذا العام: "أن الصندوق ربما يكون قريبا من الذروة".
هذا يزيد الضغط على السياسيين لعدم سحب أموال فوق الحد من الصندوق. ويقول رجل الأعمال: "كان هذا هو السؤال منذ فترة طويلة: هل الأموال ستجعل السياسيين ينفقون بسرعة؟ حتى الآن علينا القول إن الوضع جيد، لكن الرغبة في الإنفاق قد تُصبح أكبر".
إذا وصل صندوق النفط إلى الذروة من حيث الحجم، سيكون عليه مواجهة بعض الأسئلة الصعبة عاجلاً. لكن البروفيسور هنريكسون يرى أن الصندوق أدى وظيفته إلى حد ما بجعله النرويج أغنى وأكثر تنوعاً من خلال تحويل الثروة النفطية إلى أصول مالية.
ويقول: "بالتأكيد وجود هذا الصندوق أفضل من عدم وجوده" وفقاً لموقع الاقتصادية .
وقد يكون الصندوق وافدا جديدا نسبيا في سوق العقارات، لكنه جمع بالفعل محفظة كبيرة تضم بعضا من أكبر العناوين المرموقة في العالم. فهو يملك عقارات في شارع ريجنت في لندن، وشارع الشانزليزيه في باريس، وبارك أفنيو في نيويورك، وماركت ستريت في سان فرانسيسكو.
ويتوقع أن يزيد مقتنيات هذه المحفظة الرئيسة في أعقاب تغيير ولايته التي من شأنها أن تسمح بزيادة حجم الاستثمارات العقارية غير المدرجة إلى 7 في المائة من إجمالي أصوله، مقارنة بـ3 في المائة حاليا. ويحب صندوق النفط أن يدعي أنه يتصرف بحذر، وهذا هو السبب في أنه كشف الجمعة أنه خفض قيمة جميع عقاراته في المملكة المتحدة -التي تشكل 23 في المائة من إجمالي محفظته- بنسبة 5 في المائة بعد تصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
لكن مستثمري العقارات الآخرين خفضوا ممتلكاتهم مسبقا وبعض العاملين في صناعة العقارات يعتقدون أنه كان يشتري الأصول بأسعار مرتفعة. ويقول مدير صندوق أوروبي كبير: "أنا متشكك في مدى القيمة الجيدة التي كانت لبعض هذه المشتريات".
وقلص صندوق النفط مشترياته هذا العام فيما يفسره بعضهم بأنه علامة على القلق إزاء التقييمات المحتملة لبعض الأسواق.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up