رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عقل العقل
عقل العقل

«الأصولية» داء التخلف الإسلامي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في كتابه «أوهام الإسلام السياسي» الصادر باللغة الفرنسية عام 2002، الذي قام بتعريبه المؤلف الدكتور عبدالوهاب المؤدب والمفكر المغربي محمد بنيس. يناقش المؤلف ويحاول الغوص في إشكال التخلف الذي يعيشه العالم العربي - الإسلامي في هذه الحقبة، والأسباب الفكرية التي أوصلت المسلمين إلى هذه الدرجة من النكسة والفشل، على رغم الإمكانات البشرية والطبيعية الهائلة، والعوامل الثقافية المشتركة، إلا أن الحالة عصية على الانعتاق والدخول في عصر التحديث، ويشير المؤلف إلى أن المسلمين يرجعون سبب تخلفهم في عصرنا على الآخر الأجنبي، والمؤلف لا ينفي هذا السبب منذ الحروب الصليبية وهجمات المغول والمرحلة الاستعمارية في ظل الإمبراطوريات الغربية خصوصاً البريطانية، وصولاً إلى المرحلة الإمبريالية المتمثلة في الولايات المتحدة، ولكنه يرى أن هذه الأسباب الخارجية ليست كل الداء، بل هي من محفزات التخلف الذي نعيشه، ولكن الداء هو «ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام» ويستشهد بما عبره عنه المفكر والفيلسوف سبينوزا بقوله: «إن عافية المدن ونجاتها تكون في ممارسة التفكير والتعبير عنها»، وهذا ما جمّد المدن العربية والإسلامية في ظل غياب هذا الشرط.
وعودة إلى ما فعله المسلمون بالإسلام يؤكد المؤلف أن «الداء» الذي أصاب الإسلام هو «الأصولية» الإسلامية، أي التفسير الحرفي للنص، مما يعني تغليب النص على العقل، ويضرب مثالاً على ذلك في مسألة الجهاد في الإسلام، فهناك من يضعه في منزلة الأركان الخمسة للإسلام، وهذا ما أدخل العالم الإسلامي في صراعات دموية نشهدها اليوم من بعض أتباع الأصولية الإسلامية، ولا ينفي أن المسيحية أصيبت بداء التعصب في القرن الـ16 عندما تعرض البروتستانت لمذابح على يد الكاثوليك في باريس، كما يورد استشهاداً لفولتير لفهم ذلك التعصب المسيحي بقول فولتير: «بأن أحد أسباب ذلك التعصب هو إبقاء الشعب معلقاً بالأوهام، وأفضل طريقة لعلاج ذلك الداء هو الاحتكام إلى العقل»، والأكيد أن التشريح للعلة وأسباب الخروج منها لا ينطبق على المسيحية فقط، بل إن الإسلام اليوم أكثر حاجة إلى ذلك للخروج من مرحلة التشرذم، ولا يغفل المؤلف أن هناك مراحل مضيئة في التاريخ الإسلامي في بغداء والأندلس والقاهرة عندما كانت الغلبة للعقل فوق التفسير الحرفي للنصوص، بل إن «الأصولية» ما زالت هي الرئيس في مشاريع التحديث في العالم العربي في مصر أو تونس بسبب العلاقة بين السياسي والديني.
ويرجع المؤلف أن ما أصاب أميركا من الأصوليين الإسلاميين يعبر عن حال عدم اعتراف الغرب بالإسلام وجعله في حال المتلقي من احتلال بلدان إسلامية، إضافة إلى الفوارق الحضارية بين الطرفين مثل هذا الشعور ولد حالة من الحقد المتراكم، وأن تنامي الأصولية الإسلامية له علاقة بذلك. نتفق مع المؤلف أو أن نختلف، إلا أنه يطرح مسببات لهذا التخلف، ويسبر تاريخ السلام ويحاول أن الحالة التي نعيشها ليست حالة «آنية»، بل ما نشهده اليوم من التشرذم والإرهاب هي حالة من الأصولية الفكرية الحرفية التي تلغي العقل، وكان المؤلف ضرب مثلاً جديراً بالتأمل وهو مصطلح «الإبداع»، وكيف أن من يخرج ويفكر عن قداسة النص الديني يوصف عمله بـ«بالبدعة»، التي قد يترتب عليها حياته ثمناً لذلك، عكس ما حدث في العالم الغربي من تقديس العمل الإبداعي في كل المجالات.
نقلا عن الحياة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up