رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

التاريخ الأسود...للبيت الأبيض!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ليس كل من يكن الكراهية والعداء لأمريكا من يستطيع أن يطلق ما يشاء من الصفات السلبية أو النعوت علي هذه السياسة التي لا تعكس الحد الادني من الحس الأخلاقي ، ولكن هناك من يطلق هذه النعوت والصفات من الأمريكيين أيضاً . وقد خرج المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي علي العالم بكتاب (السيطرة علي الإعلام في أمريكا ) ويكاد الكتاب يركز في مضمونه علي (( النفاق )) الذي تمارسه الولايات المتحدة التي تطرح مفهوماً محرفاً علي الإرهاب ، ثم تشن الحرب العالمية عليه دون خجل .

بحجة محاربة الشيوعية قصفت الطائرات الأمريكية بقنابلها الأرياف الكمبودية وقتلت ما لا يقل عن (750) ألفاً من المدنيين ، وقتلت الملايين في فيتنام وأحرقت القرى والمزارع والدواب ، واستخدمت كل الأسلحة المحرمة دولياً ، وتحت نفس المبررات راحت تدعم الأنظمة الاستبدادية في أمريكا اللاتينية . ويكشف الصحفي الأمريكي (كندي الأصل ) بيتر سكادين في كتابه (الكتاب الأسود للولايات المتحدة الأمريكية ) ، أن أمريكا التي كانت تدعم هذه الأنظمة التي نكلت بخصومها أسوا تنكيل وكانت ترتكب المجازر الوحشية في حق مواطنيها ، كانت في واقع الأمر تحارب قوي التقدم المتمثلة في الطلاب والنقابيين والصحفيين والمثقفين اليساريين بل وتحارب حتى الكنيسة ورجال الدين التحريريين ، وأنها داست علي مبادئها الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في الهندوراس ونيكاراغوا وغواتيمالا والتشيلي و سواها . وقد أثبتت الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخراً مدي تورط الولايات المتحدة الأمريكية وجهاز استخباراتها في الانقلابات الإضطرابات التي سادت أمريكا اللاتينية طوال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي ، وان جهازها كان لا يتورع عن التعامل مع تجار المخدرات والمافيا الإجرامية من اجل زعزعة الأنظمة التي لا تعجب الولايات المتحدة .

ومنها كانت تشتري الجنرالات والضمائر ، وان عميلها في الهندوراسي الجنرال غستامز الفاريز مار تنيز قبل أن يصبح قائداً للجيش في هذا البلد الصغير كان قد ابلي بلاءً حسناً في الأرجنتين ، حيث اشرف علي قتل واختفاء ما لا يقل عن (10) آلاف شخص ، وقد استقبله رونالد ريجان في البيت الأبيض عام (1982) وقلده في العام الثاني وسام الاستحقاق تقديراً لدوره ( ولأنه ساهم في نجاح العملية الديمقراطية في الهندوراسي ) وللولايات المتحدة في هذا المجال تاريخ حافل ، ولكن تسجيل بداياته في عام (1952) حينما انتخب الفواتيماليين بملك إرادتهم الرئيس جاكوبو اربنز ، ويبدوا أنهم أخطأوا في خيارهم الحر هذا من وجهة النظر الأمريكية !
إضاءة : ***** السياسة الامريكية الخارجية كانت دائماً تعمل في اتجاه مناقض لهذه القيم التي ترفعها شعاراتاً ، كما ذكرنا من قبل ونحن نتحدث عن النفاق والكيل بمكيالين ، إذ لم تدخر جهداً في دعم الأنظمة الإرهابية ، وتدبير الانقلابات العسكرية علي الأنظمة الشرعية المنتخبة في كل أنحاء العالم ، خاصة في حديقتها الخلفية . إلا أن العديد من الحالمين في دول العالم الثالث انطلت عليهم شعارات قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي ظلت ترفعها الولايات المتحدة في حربها الأيديولوجية الباردة ضد المعسكر الأحمر ، وكانوا يستندون في ذلك إلي الدستور الأمريكي الداعم لهذه القيم ، ومأخوذون بالسطح الخارجي للحياة الامريكية حيث تتنوع وتعدد ألوان الطيف الثقافي والعرقي ، ويتمتع كل لون عرقي وثقافي بالفرص المتساوية العادلة . إلي أن فضح انفجار (11 سبتمبر) زيف هذه الشعـارات البراقة . وبقدر ما أثار هذا الانفجار جنون الأمريكان بما سببه من جرح لنرجسيتها كدولة عظمي أوحد في العالم ، وكشف هشاشة نسيجها الأمني ، بقدر ما كشف هشاشة هذه الشعارات ، وعدم تجذر هذه القيم في نسيجها الاجتماعي والأخلاقي .

arrow up