رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

إني أغرق أغرق أغرق

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أسألكم سؤالاً قد لا يكون في محلّه: هل جرب أحدكم الغرق يوماً، وأنقذه الله منه؟! أنا جربت ذلك عندما كنت صبياً يافعاً لا يتجاوز عمري الثالثة عشرة، عندما ذهبت مع أقراني إلى أحد الموانئ الرديفة للميناء الرئيسي في جدة، وذلك لتمضية بعض الوقت بالسباحة في المياه غير العميقة. وفي هذه الأثناء سمعني بعض الرجال أتحدث مع أصحابي مدعياً زوراً وبهتاناً أنني بارع بالقفز والغوص، ومع الأسف أن أولئك الرجال قد صدقوني وأرادوا أن يتحدوني بأن أثبت لهم ذلك، وإذ إنني جاهل أحمق وافقتهم على طلبهم لكي لا أبدو في أعينهم أنني كذاب - على أمل أنهم سوف يكبّرون عقولهم ويتراجعون عن تحديهم. غير أنهم - ويا للهول - طلبوا مني أن أرتقي رافعة حديديّة مرتكزة للتّحميل والتّنزيل من السفن، وأسقط في يدي وخجلت أن أظهر خوفي وأتراجع، وفعلاً بدأت أصعد بجسمي النحيل الذي يشبه المسواك، وكلما ارتفعت أسألهم: هل أقفز؟ فيصيحون بي قائلين: لا، كمان. كمان. اصعد. وتكرر السؤال والرفض والصعود إلى درجة أنني أصبحت أشاهد السيارات كلعب الأطفال. وما صدقت على الله أنهم قالوا لي: اقفز، فأغمضت عيني وأطبقت إصبعي يدي اليسرى على أنفي، وهويت من شاهق كالمخرز، وحيث إن مياه الميناء عميقة فقد استمر غوصي مرغماً إلى أن كاد نَفَسي ينقطع، وما إن فتحت عيني وشاهدت قواعد الميناء السوداء تحت الماء حتى أصابني رعب عظيم، وبعدها لم أعد أشعر بحالي. وقيل لي أخيراً إنهم عندما شعروا أن مكوثي تحت الماء قد طال، قفز بعضهم وانتشلوني وأنا في آخر رمق ومغمى عليّ، ولو أنهم تأخروا دقائق قليلة، لكنت قد ذهبت غريقاً وارتحت من الدنيا وارتاحت هي مني. ومن يومها إلى الآن أصابتني عقدة القفز في الماء، حتى لو كان الارتفاع مجرد متر واحد. وما دمنا في هذا الصدد إليكم هذه الحادثة التي جاء فيها: إنه أثناء سفر إحدى البواخر في عرض المحيط، هبت عاصفة شديدة، واتفق أن فتاة كانت تستند إلى سور الباخرة ففقدت توازنها وسقطت في البحر، ولم تمضِِ ثوانٍ حتى شوهد شخص آخر يسقط في الماء بالقرب منها، ودهش الجميع عندما تبينوا أنه أكبر البحارة سناً، وأمسك العجوز بالفتاة وظل يناضل الأمواج حتى أنقذهما قارب النجاة. وفي المساء أقيمت له على ظهر الباخرة حفلة تكريمية، وبدلاً من أن يشكرهم على ذلك، إذا به يفاجئهم ويسألهم بغضب: قولوا لي من هو ابن الـ... الذي دفعني إلى الماء وراء الفتاة. نقلا عن الشرق الاوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up