رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

ابن تيمية وابن القيم يكتبان عن «الشأن السوري»..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كتب ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (35/20): «وَقَدْ ذَكَرْتُ في غَيْرِ هَذَا المَوْضُوعِ أَنَّ مَصِيرَ الأَمْرِ إلَى المُلُوكِ ونُوَّابِهِم مِن الوُلاَةِ والقُضَاةِ والأُمَرَاءِ لَيْسَ لِنَقْصٍ فِيهِمْ فَقَطْ، بَلْ لِنَقْصٍ فِي الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ جَمِيعاً؛ فَإِنَّهُ (كَمَا تَكُونُونَ يُوَلَّى عَلَيْكُمْ)، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾، وقَد اسْتَفَاضَ وتَقَرَّرَ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الله ومُنَاصَحَتِهِمْ والصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ وقَسْمِهِمْ والغَزْوِ مَعَهُمْ والصَّلاةِ خَلْفَهُمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مُتَابَعَتِهِمْ فِي الحَسَنَاتِ الَّتِي لاَ يَقُومُ بِهَا إلاَّ هُمْ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى، وَمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ بِكَذِبِهِمْ وإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وطَاعَتِهِمْ فِي مَعْصِيَةِ الله وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ والعُدْوَانِ، ومَا أَمَرَ بِهِ أَيْضًا مِن الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ لَهُمْ ولِغَيْرِهِمْ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، ومَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ الله إلَيْهِمْ، بِحَيْثُ لاَ يَتْرُكُ ذَلِكَ جُبْنًا ولَا بُخْلاً ولَا خَشْيَةً لَهُمْ ولَا اشْتِرَاءً من باب لِلثَّمَنِ القَلِيلِ بِآيَاتِ الله، ولَا يَفْعَلُ أَيْضًا لِلرِّئَاسَةِ عَلَيْهِمْ ولَا عَلَى العَامَّةِ، ولَا لِلحَسَدِ ولَا لِلكِبْرِ ولَا لِلرِّيَاءِ لَهُمْ ولَا لِلْعَامَّةِ، ولَا يُزَالُ المُنْكَرُ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ، بِحَيْثُ يُخْرَجُ عَلَيْهِمْ بِالسِّلاحِ وتُقَامُ الفِتَنُ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ النَّبَوِيَّةُ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الفَسَادِ الَّذِي يَرْبُو عَلَى فَسَادِ مَا يَكُونُ مِنْ ظُلْمِهِمْ».
في حين كتبَ تلميذه ابن القيم في «مفتاح دار السَّعادة» (1/253): «وتَأمَّلْ حِكمتَه تَعالى في أن جعَلَ مُلوكَ العِبادِ وأُمراءَهم ووُلَاتَهم مِن جِنس أَعمالِهم، بل كأنَّ أَعمالَهم ظهرَت في صُوَر وُلَاتهم ومُلوكِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم، وإن عدَلوا عدَلَت علَيهم، وإن جارُوا جارَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن ظهَرَ فيهم المَكرُ والخَديعةُ فوُلَاتُهم كذَلكَ، وإن مَنَعوا حُقوقَ الله لدَيهم وبَخِلوا بها مَنعَت مُلوكُهم ووُلَاتُهم مَا لهم عندَهم مِن الحقِّ وبَخِلوا بها علَيهم، وإن أَخَذوا ممَّن يَستَضعِفونه مَا لَا يَستَحقُّونه في مُعاملتِهم أَخذَت مِنهم المُلوكُ مَا لَا يَستَحقُّونه وضَرَبَت علَيهم المُكوسَ والوَظائفَ، وكلُّ مَا يَستَخرِجونَه من الضَّعيفِ يَستَخرِجُه الملوكُ مِنهم بالقوَّةِ، فعمَّالُهم ظهَرَت في صُوَر أَعمالِهم، وليسَ في الحِكمةِ الإلهيَّةِ أن يُوَلَّى على الأَشرارِ الفجَّارِ إلاَّ مَن يَكونُ مِن جِنسِهم، ولمَّا كانَ الصَّدرُ الأوَّلُ خِيارَ القُرونِ وأبرَّها كانَت ولَاتُهم كذَلكَ، فلمَّا شابُوا شابَت لهم الولَاةُ، فحِكمةُ الله تَأبَى أن يُوَلَّي علَينا في مِثل هَذهِ الأَزمانِ مِثلُ مُعاويةَ وعُمرَ بنِ عَبدِالعَزيز فَضلاً عن مِثل أبي بَكرٍ وعُمرَ، بَل ولَاتُنا على قَدْرنا، ووُلَاةُ مَن قَبلنا على قَدرِهم، وكلٌّ مِن الأَمرَين مُوجبُ الحِكمةِ ومُقتَضاها، ومَن له فِطنةٌ إذَا سافَرَ بفِكرِه في هَذا البابِ رأَى الحِكمةَ الإِلهيَّةَ سائرَةً في القَضاءِ والقَدَر ظَاهرةً وبَاطنةً فيهِ، كما في الخَلقِ والأَمرِ سَواء، فإيَّاكَ أن تظنَّ بظنِّك الفاسدِ أنَّ شَيئًا مِن أَقضيتِه وأَقدارِه عارٍ عن الحِكمةِ البَالغةِ، بل جَميعُ أَقضيَتِه تَعالى وأَقدارِه وَاقعةٌ على أتمِّ وُجوهِ الحِكمةِ والصَّوابِ، ولَكنَّ العُقولَ الضَّعيفةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن إِدراكِها كما أنَّ الأَبصارَ الخَفاشيَّةَ مَحجوبةٌ بضَعفِها عن ضَوءِ الشَّمس، وهَذهِ العُقولُ الضِّعافُ إذَا صادَفَها الباطِلُ جالَتْ فيه وصالَتْ ونطقَتْ وقالَتْ، كما أنَّ الخُفَّاش إذَا صادَفَه ظلاَمُ اللَّيل طارَ وسارَ.
خَفافِيشُ أَعْشاهَا النَّهارُ بضَوئِهِ ولَازَمَها قِطَعٌ مِنَ اللَّيْل مُظْلِم». ما مضى يبقى «متناً» مؤصّلاً، جديرٌ بالمرّة أن يتمّ بثّه؛ إذ يحتوي فقهاً في درك «مآلاتٍ» مَن وعي (سُنَنها) كانت له تحصيناً من شأنها أن تحول دون حالاتٍ مماثلةٍ للوضعِ «السوري» يرادُ لها أن تكونَ نُسخاً مكررةً في (وطننا العربي) من قِبل دولِ «الاستكبار العالمي»، ذلك أنّ «سوريا» وَفقَ (خُططهم) ليست سوى القشّة التي لن يظفر من بعدها العرب/ المسلمون على «بعيرٍ» يجدون فيها (الراحلة) التي تُقلهم إلى حيث أمنِهم/ واستقرارهم. لِنُبقي ما فضُلَ من مساحةٍ في الكتابة «هامشاً» على «متنِ» الشيخين على هذا النحو الموجز:
* لعلّ الربيع العربي! كان طُعماً فابتلعناه ظنّاً مَنّا بأنّ فيه «الخلاص»، ولم يكن الأمر كذلك! وليس بنا الآن من شجاعةٍ فنلفُظ «الطعم»؛ إذ لم يزلْ بعْدُ فينا مَن يُزيّن لنا سوء «الثورات» ثم لا يلبث أن يجعل من «الثورة الفرنسية» أسوةً لنا! مع أنّه قياسٌ فاسد الاعتبار لانعدام توافره على الشروط التي تجعل من القياس صحيحاً!
* حين تجري «الدماء» فتكون أنهاراً يصعبُ إذ ذاك على أيّ أحدٍ أن يحولَ دون تفجّرها في مناطق قريبة ومشابهة، ذلك أنّ ذات المقدمات لا يُمكنُ لها أن تُفرز إلا النتائج ذاتها.. وبمعنى آخر لنقول: إذا ما كانت ذات المقدمات التي أفرزت ما يُسمي بـ «الربيع العربي..!» فإننا – بالضرورة – سنكون على موعدٍ مع مزيدٍ من الدماء هنا/ وهناك بوصفها عنواناً صاخباً لـ «كوارث وطنيّة» تقتلع بدورها الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي قبل الأمن السياسي على نحو ما تعيشه سوريا وليبيا و.. و.!
* من السّفه المعرفي (سياسياً) أن تُقرأ الأحداثِ والتورّط في تنفيذ سياستها التي انتهت بنا «عربيّاً» إلى ما لا يُمكن له أن (ينصلح) إلا بعد عقودٍ أخشى أن تمتد طويلاً طويلاً! أؤكد بأنّه: من السفه سياساً أن تقرأ الأحداث بوصفها «صدفةً» جاءتَ متزامنةً مع ما عليه «الحكام العرب» من استبداد ذلك أنّ هذا الأخير لم يكن نتيجة الأمس..! وبسببٍ من هذا يمكن القول: إنها «السذاجة» في منتهاها تلك التي يتمتّع بها المصابون بـ «الغرور/ عنجهيّةً» من أولئك الذي لا يُحسنون سوى صبّ الزيت على «النار» التي توقدها الدول الكبرى.!
* لولا أنّ «الغربَ» لم يجد في العرب «حمقى» يسعون حثيثاً – من حيث لا يدرون/ ولا يريدون – إلى تنفيذ أجندات (سيناريوهاتهم) لما كّنا قد وقعنا في «فخاخ الغرب» الذي لا يرقب فينا إلاًّ ولا ذمة.
* ليست من مهمةِ هذه الكتابة التبرئة لـ «الحكام»، ذلك أنّه ما من أحدٍ يسعه أن ينكر «مسؤوليّتهم» إزاء ما يحدث لنا غيرَ أنّ اللومَ حين لا يتوجّه إلا إليهم – كما هو واقعُ اليوم – فإنّه نوعٌ من التطفيف الذي سيفوّت علينا عمليّة «الإصلاح» الراشدة التي تبدأ من التغيير في «أنفسكم»! وبمثل هذا المعنى كانت كتابة ابن تيمية/ وابن القيم.
* لا يُجافي الحقيقة من يقطع جازماً بأنّ السبب فيما يحدثُ في سوريا (وغيرها/ قبلاً أو بعداً) إنما هو (نحن) كّلّنا، وليس ثمّة من أحدٍ غيرنا، ذلك أنّ معضلة «معقّدة» من أسبابٍ يشترك فيها الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي والإعلامي.. وكلها اليوم تفتقر لـ «إصلاح»!
* سيأبى آخرون ويمضون إلى ما كانوا عليه من الاعتقاد الجازم بأنها ليست سوى «مؤامرة»! ولنفترض أنها كذلك! فهل يُمكن لأي «مؤامرةٍ» أن تُحقِق كامل أهدافها وبكل هذه الدقة لو لم تجدنا «نحن» في الداخل ليس لنا من شُغلٍ غير الاحتراب فيما بيننا على نحوٍ من معارك سياسية/ أو طائفيّة/ أو مناطقيّة..! ما يعني أنّنا – شئنا أم أبينا – جسرٌ تمرّ علينا «مؤامراتهم» بكل يُسرٍ وسهولة.
نقلا عن "الشرق"

arrow up