رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

اغتيالات «حزب الله»: الدم اللبناني ليس رخيصاً!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في مؤشر خطير وخشية احتمالية عودة مسلسل الرعب الإرهابي الذي يُدار من الضاحية الجنوبية في لبنان؛ اُغتيل الناشط الشيعي المعارض لـ«حزب الله» لقمان سليم الذي وُجد مقتولاً في سيارته وعُثر عليه في النبطية، وهي منطقة تابعة أمنياً لـ«حزب الله». يُعتبر، كما يقال، أنه أول مثقف لبناني يُغتال من الطائفة الشيعية منذ الحرب الأهلية اللبنانية. جريمة مروعة وبشعة وتعني بوضوح استهداف الناشطين، وكل من له رأي حر، وربما تحمل رسالة أيضاً للجميع بأن عهد التصفيات السياسية قد عاد من جديد. ليس سراً أن لبنان بلد مفتوح على الاغتيالات منذ عقود، وعندما ينتقد مثقف وجود السلاح خارج السلطة في بلاده؛ فإنه بطبيعة الحال تُصبح هناك عداوة سياسية بين الحزب وهذ الناشط أو ذاك، فالحل ليس صعباً في اعتقاد الحزب. رصاصة واحدة وليس بالضرورة أربع رصاصات كما حدث مع لقمان كفيلة بإسكات هذا الصوت ومحوه للأبد. هذه عقلية «السيد» وحزبه الإرهابي، حيث يواجه الفكر والكلمة برصاصة. وكالعادة، يثبت «حزب الله» قدرته على بعثرة الأوراق وإرهاب الناس، والتأكيد على أن استقرار لبنان أمر لا يعنيه لا من بعيد ولا من قريب. الإقصاء والإلغاء والتصفية مفاهيم وأدوات يطبقها الحزب باحترافية لافتة ومنذ وقت ليس بالقريب. ما حدث يكرّس صورة نموذج لميليشيا إرهابية وبامتياز، سيدها يُنفذ ما يُطلب منه وبدقة. وها هو لبنان الجريح يعيش وضع اللادولة ويئن من معاناته باحثاً عن حلول لملفه السياسي المعلق ومواجهاً الشعب الذي نزل للشارع منادياً برحيل الزعامات السياسية والحكومات، مطالباً بالعمل المؤسساتي بأن يُصار إلى إلغاء سياسة الإقصاء الطائفي وعدم السماح لإيران بالهيمنة على القرار السياسي وترسيخ نظام سياسي غير طائفي وإلغاء الميليشيات، وأن يكون السلاح تحت سلطة الدولة. هذا هو صوت لبنان الجديد وهذه هي روحه، وتلك هي طموحاته التي لطالما نادى بها الشهداء الذين راحوا ضحية الكلمة الحرة ومنهم لقمان. القاسم المشترك بين كل الضحايا، سواء سنّة أو شيعة الذين قضوا نتيجة اغتيالات سياسية، أن لديهم موقفاً مناهضاً ومعلناً من سياسات «حزب الله» وسلاحه، وكلهم يرفضون تدخلات إيران وأذرعتها الميليشياوية، ويضعون مصلحة بلادهم في المقدمة. جريمة الاغتيال السياسي من أبشع الجرائم ومرفوضة اجتماعياً وإنسانياً ودينياً، وتعكس حالة دنيئة وخسة من السلوك المريض الرخيص الذي يتنافى مع كل الأعراف والقيم. جريمة القتل بدم بارد هدفها إسكات صوت الحق والكلمة الحرة، وقد يموت صاحبها، وقد حدث كثيراً، ولكن الحقيقة لا تموت أبداً. جاءت جريمة اغتيال الناشط لقمان سليم لتؤكد شراسة «حزب الله»، وقد هزت لبنان بلا شك، وكان لقمان قد حمّل في بيان عام 2019 كلاً من حسن نصر الله وبري المسؤولية الكاملة عما قد يجري لحياته، وكأنه يعلم مصيره منذ ذلك الحين، وهي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فمسلسل الاغتيالات لا يتوقف، وهذا يعكس كيفية معالجة التعثر السياسي بسلوك غير إنساني. ثمة جرائم بشعة هزت الشارع العربي؛ فكانت الأساليب واحدة والتهمة للميليشيات المحسوبة على إيران في استهداف النشطاء والمثقفين والوطنيين الذين يرفضون التدخل الخارجي وهيمنة ولاية الفقيه. تورط طهران و«حزب الله» في اعتداءات مشابهة لا يمثل مفاجأة للكثيرين لمن يعرفون دور إيران كراعية للإرهاب وذراعها «حزب الله». نستحضر أحداث انقلاب بيروت 2006، كدليل قاطع بأن وقوعه حينذاك لم يكن رد فعل بقدر ما كان تنفيذاً لتوجيهات خارجية، واُستغل لتصفية حسابات داخلية ما يعني الدوران في الفلك الإيراني، لا سيما عندما تكون المصالح الإيرانية في خطر أو تتعرض لضغوط. العالم لن يسكت أمام بلطجة إيران والحزب والحلول قادمة، والمواجهة لا بد أن تحدث، وقلوبنا مع لبنان وشعب لبنان بدليل استشعار المجتمع الدولي بخطورة ما تفعله إيران و«حزب الله» هناك؛ وهو ما دفع النشطاء للجوء إلى مواجهة أذرع إيران المنتشرة في عالمنا العربي. قطع إمدادات «حزب الله» وتجفيف منابع تمويله ضرورة، حتى لو تطلب الأمر ضربات عسكرية خاطفة تستهدف ترسانته العسكرية التي يملكها. ما حدث هو جريمة اغتيال لرموز وطنية تم إسكاتها بالرصاص. فعندما لا تستطيع إسكات قول الحق إلا باستخدام وسيلة القتل، فإن ذلك السلوك، أقل ما يوصف به، أنه الأشد دناءة وخساسة وقذارة عرفها قاموس التاريخ. «حزب الله» يضيق ذرعاً بالنقد والاختلاف؛ ولذا يستخدم كل الأدوات، في حين أن القوى الإقليمية تستغل الطابور الخامس لتنفيذ أجندتها وتفتيت الوحدة الوطنية لهذه الدولة أو تلك. رموز لبنانية فقدناهم، وإن كان أبرزهم رفيق الحريري، ورحلوا عنا وهم يحلمون باستقلالية القرار اللبناني عن سوريا أو إيران، وقالوا كلمتهم ومشوا. أشنع شيء في الوجود هو أن تقتل من لديه فكر وطني ينادي باستقلالية بلاده، رافضاً تدخل الخارج أياً كان، والقوائم الوطنية تحتشد بالرموز في عالمنا العربي الذين راحوا ضحية لسلوك إجرامي شاذ ومرفوض وضد معنى الحياة وقيم الإنسانية جمعاء.
نقلا عن الشرق الاوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up