رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. فهد العتيبي
د. فهد العتيبي

التعليم والتعايش السلمي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تلعب مؤسسة المدرسة دورا مهما في تشكيل وعي الإنسان وتوجهاته ومفاهيمه وتصوراته منذ الصغر. وعلى الرغم من تعدد زوايا هذا الدور، إلا أن ما يهمني هنا دور هذه المؤسسة في تكوين إنسان متزن نفسياً وقادر على التعايش السلمي مع "الآخر المختلف". وبالنظر إلى هذا "الآخر" نجده يتدرج من "المختلف الداخلي" الذي قد يكون مجرد جار مختلف في الخلفية الاجتماعية، أو الطبقة الاقتصادية، أو المذهب الديني، أو في طرائق التفكير إلى "المختلف الخارجي" الذي ينتمي إلى عالم مختلف بالكلية.
وتكمن أهمية المدرسة هنا ليس فقط في قدرتها على هذا التشكيل من خلال مناهجها، بل ولكونها تمثل صورة مصغرة من المجتمع المختلف. فكلما غرست هذه المؤسسة في نفس الطفل أهمية النظر دائماً إلى المشتركات والانطلاق منها في تفاعلاته المختلفة مع الآخرين، كلما نجحت في خلق الفضاء السلمي والصحي لهذا التفاعل البشري. وبذلك تكون المدرسة قد قدمت للطفل "خارطة طريق" صحية تساعده على التعامل مع الاختلافات التي يواجهها، والتي سيواجهها مستقبلا. لأنه على ضوء قدرته على التعامل مع هذه الاختلافات في محيط المدرسة، ستكون قدرته على التعامل مع الاختلافات في المحيط الإنساني الفسيح الذي سيجد نفسه فيه لاحقا.
ومن أهم مبادئ خارطة الطريق هذه الإقرار بوحدة الأصل الإنساني، وبوجود الاختلاف، واستيعابه، بل واحترامه، وادراك حقيقة أن هذا الاختلاف لا يمنع التعايش السلمي. يقول تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقْناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلْناكمْ شعوبًا وقبائل لتعارفوا، إن أكْرمكمْ عند الله أتْقاكمْ، إن الله عليم خبير). حيث نصت الآية الكريمة على حقيقة الاختلاف، وأمرت بالتعارف (أي التعايش السلمي) في ضل وجوده. وهذا بلا شك ينطبق أيضاً على غير المسلم الذي يجب احترام إنسانيته في المقام الأول، وحريته الدينية، وتاريخه. قال تعالى: (لا إكْراه في الدين، قد تبين الرشْد من الْغي، فمن يكْفرْ بالطاغوت ويؤْمن بالله فقد اسْتمْسك بالْعرْوة الْوثْقى لا انفصام لها والله سميع عليم).
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله قال في كلمته أثناء افتتاح معرض "المملكة بين الأمس واليوم" في كندا عام 1411هـ: "إن التعارف بين شعوب الأمم هو السبيل نحو صداقة دائمة وتعاون مثمر، وتعايش في أمن وسلام، وهذه جميعا تبنى على قواعد المعرفة بحضارات هذه الأمم وثقافتها وتجاربها وتطلعاتها".
إن العالم اليوم يتشابك في تعاملاته وعلاقاته بطرق غير مسبوقة على مر التاريخ، وهو بحاجة إلى البناء على المشتركات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى، مما يلقي على النظام التعليمي وبالذات مؤسسة المدرسة دورا كبيرا في تشكيل شخصية الإنسان المتزن القادر على تمثيل وطنه خير تمثيل من خلال التفاعل العالمي بطريقة حضارية وصحية.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up