رئيس التحرير : مشعل العريفي
 هيلة المشوح
هيلة المشوح

العباءة.. وحائط الجهل!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بعض الحقائق وحين تصطدم بالجهل المتراكم تخرج أسوأ ما في المجتمع من ردات فعل، خصوصاً عندما يكون هذا الجهل نتاج (أيديولوجيا) دينية مغلوطة أو عادات وموروثات تقليدية عصية على التفكيك أو حتى النقاش.
حين رد أحد المشايخ على سائلة تستفتيه بشكل العباءة انفتحت عليه أبواب من الانتقادات وردات الفعل الساخطة، فالعباءة التي ذكر الشيخ بالنص «أنها غير إلزامية، مع أن أكثر من 90% من المسلمات في العالم الإسلامي لا يعرفن العبايات ومع ذلك نراهن في مكة والمدينة ملتزمات بالحشمة»، ولا أعلم هل لو لم يرَ هذا الشيخ هؤلاء النساء المسلمات المحتشمات في مكة والمدينة ستصبح العباءة قبل استنباطه هذا إلزاماً؟ ما علينا، فالعباءة بالنسبة للمجتمع الذي لا يقبل مس قناعاته أيقونة للحشمة وتابوه لا يحتمل المساس حتى لو استبدلت بخيمة أو كوخ حديدي متحرك، وحتى لو جاء هذا المساس من شيخ محبوب صاحب نكتة (في الله) وحضور مقبول بشكل كبير فالمساس بأي موروث يلغي أي عاطفة تجاه من يتطفل على أكوام الموروثات والعادات. وأتذكر هنا أن أحدهم سأل الشيخ «هل خلعت زوجتك العباءة حتى تطلب من نسائنا خلعها؟»! وهنا مربط الفرس.. عفواً (مربط الجهل) وكأن المرأة تنتظر إشارة لخلع عباءتها -وهكذا يعتقدون-، ونحمد الله أن من أفتى هو شيخ ذو كاريزما وليس معلومة تنطع بها (ليبرالي أو علماني) وإلا لأخرجوه من الدين الذي يستخدمه البعض كتأشيرة تمنح وتسحب حسب الرضا والاختلاف في مجتمع لا يقبل النقاش حين يتعلق الأمر بتابوهات التقليد التي أصبحت ديناً.. يا للتفاهة!
نعم.. العباءة ليست إلزاماً «دينياً» سواء وضح الشيخ أم لم يوضح، اعتذر من جهلكم أم لم يعتذر، فالعباءة عادة وتقليد ونظام متبع لا يمت للدين الإسلامي بصلة سوى أنها وسيلة لتحقيق ستر الجسد ويحل محلها في دول العالم الإسلامي ألبسة عدة كالخمار والرداء الطويل (البالطو) أو حتى بعض أنواع الفساتين الطويلة، أما الآية الكريمة: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين» فتخص حالة بعينها ونساء بعينهن فلا توظفوا النصوص فتعسفوها لأغراض لا تليق بكتاب الله، والحديث عن العباءة والنقاش حولها لا يعني خلعها كما يتوقع المضطربون والمتوجسون من المرأة (لباسها، زينتها، صوتها، نفسها...) فالحشمة تكمن في العقول الواعية التي تقرأ دينها ولا تختزله بقطعة قماش!
تختلف الحشمة في بيئتنا باختلاف الزمن وشدة الحشد المجتمعي إزائها؛ ففي زمن مضى كانت العباءة مجرد تقليد تلبسه العروس ثم تطورت في الستينات والسبعينات وبداية الثمانينات الميلادية إلى أشبه بوشاح تلبسه النساء ويُعكف خلف الذراعين حتى أن بعضهن يخرج شعرهن من شدة ارتفاع العباءة لتغطي أقل من نصف الجسد العلوي وأحياناً ثلثه فقط، وما إن بدأت إرهاصات الصحوة حتى أصبحت العباءة رداءً فضفاضاً يبدأ بالرأس وينتهي بأخمص القدمين ومع تراجع الصحوة بدأت العباءة تتخذ أشكالاً وألواناً مختلفة مع الحفاظ على الشكل «التقليدي» العام والذي يراعي بالتأكيد الحشمة وتغطية كامل الجسد.
أخيراً.. كل ما ينسج باسم الدين في عصر ما تصبح له قداسة دينية في عصر آخر، وهو ما يحدث تماماً حين أصبحت «هرطقات الصحوة» ديناً نحاول الانفكاك منها فنصطدم بشراسة عقول تحرسها وتقدسها وتنافح عنها.. إنه الجهل المقدس يا سادة!
نقلا عن "عكاظ"

arrow up