رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

الفول المفترى عليه..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قد جئتك يا فول معتذراً ذلك أنّي: قد كنتُ ضحية لجملةٍ من أقوالٍ تعاملنا معها بوصفها يقينيّات «حقائق» ليس لأي أحدٍ فينا أن يطلب البرهان عليها فضلاً عن أن ينقضها بأسئلةٍ «محرّمةٍ» تُعنى بالكشفِ عن صحّةِ هذه الأقوال التي ما فتئنا نتلقّاها بقبولٍ مطلقٍ وكأنها «قرآن» لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!!
الفول – هاهنا – يأتي بوصفه «أنموذجاً» من شأنه أن يحكي قصةَ صولاتنا/ وجولاتنا جميعاً مع جملةٍ (مُتباينةٍ) من أشياء إنْ: في الفهم للدين أو الموقف من رجالٍ – قد خلوا من قبل – أو في الموقف من محض اجتهادات فقهيّةٍ صاغتها عقولٍ لم تتجرد بأيّ حالٍ عن بشريّتها وليست بالتي قد انعتقت خارج «قانون» الزمن الذي نشأت فيه/ وبه/ ومعه/ وله.. الأمر نفسه يمكن أن يقال في شأن: رؤى سياسية وقراءاتٍ تاريخيّة وتنظيراتٍ اجتماعيّة ومشغولاتٍ اقتصاديّة و.. و.. قد أنزلناها منزلة «الحق المبين» الذي لا مرية فيه وما لبثنا أنْ وصمنا من يُقارب فحصها بـ«المروق» وتارةً بالسذاجة و «التسطّح» وأخرى بـ«العَمَالة»! أما مَن رفضها إذ رهن قبولها بالشرع والعقل فلا تسأل عن موبقات الأوصاف التي لحقته.!
إذن.. فالفول هنا لا يعدو أن يكون «تطبيقاً» لنقض العقلية (الآبائيّة) السوس الذي نخر في تكويننا فأحالنا أعجاز نخلٍ خاويةٍ تشرئبُ أعناقنا إلى حيثُ يكون «التّخلفُ» بِنيةً ومستقبلاً! ولو أنّنا كنّا نقرأ القرآن المجيد بتدبرٍ لتجاوزنا هذه «العلل» منذ زمن طويلٍ ذلك أنّ القرآن العظيم هو من قد أسس لمنهجيةً نقض ما أُبرم من «العقل الآبائي» بقوله تعالى «بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ».
وفي الآية الأخرى «وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ».
لنعد أدراجنا ثانيةً إلى حكايتي مع «الفول» فأقول: نشأتُ على أنّ الغَواية بـ «الفول» طريقٌ ينتهي بنا جميعاً إلى أن نكون في عداد حظائر «العجول» وكبِرتُ وليس لـ«الفول» من مهمةٍ في حياتي سوى أن يُلقي بي في زمرة «الدببة الدلوخ» وما من واحدٍ قد التقيته وجاء الحديث إبانها عن «الفول» إلا وتمّ رميهَ هذا الأخير بأقذع الشتائم «الصحية» والنعت تالياً رتيب أركان خاصة بك في الغرفة ولِـ»أكلته» بأشدّ مما يُنعت به أكلة «لحوم البشر»! ولئن اضطرنا الشتاء – بوصفنا نجديين- على تجشّم وعورة الإفطار به فإنه الاضطرار – التقليدي – الذي ينتهي بانتهاء شدّة البرودة مع ما نشعر به – يقيناً – بأننا قد (استعجلنا) ليس من العَجلة وإنما من الانتساب إلى «العجول»!!
وما من نادرةٍ يُمكن أن نستثمرها في التهكم بـ «الحجازيين» أو «المصريين» إلا ألحقناها بهم سخرية و(تطنّزاً) جراء شغفهم بـ«الفول» على نحوٍ من العشق..!
عذراً أيها «الفول» فأنا من مجتمعٍ ربط «البلادة» بك وما فتئ أن جعلك قريناً لـ«السمنة المترهلة» وأناط بك مسؤولية جملةٍ من «علل/ صحيّة» وألحقوا بك كلّ مشكلةٍ يُمكن أن تنشأ بين المرأة/ وزوجها ما جعل «الحبة الزرقاء» تفتقد فاعليتها في الذين يتعاطونك فطوراً/ وعشاءً!!
ولمّا أن كبِرتُ تبيّن لي كم قد ظلمناك «كثيراً يا فول» صحيحٌ أنّه ما من خاسرٍ في ظلمنا إياك غيرنا «نحن» إذ فوّتنا «منافع» ظفر بها أولئك الذين لم تكن لتغادر «سُمط» موائدهم لا في العشيّ ولا في الإبكار.
يمكن لأيّ أحدٍ تتبع كافة ما يُكتب عن «منافع الفول» بوصفها متاحاً على الشبكة العنكبوتية بنحوٍ مفصّل، وثريٍّ كما أنّ – الكتابة هاهنا – لا تتغيّا ذلك.. وإني لعلى يقينٍ بأنّ كثيراً منكم سيعضّ أصابع ندمه تحسراً على أيامٍ وشهور وسنين لم يكن فيها «الفول» على مائدة طعامه.
قال الربيع بن سليمان قال الإمام الشافعي «..أكل الفول يزيد في الدماغ».!
لاحتوائه على حمض الفوليك الذي يقل في جسم الإنسان كلما تقدم به السن.
قال أحد الظرفاء: ولما للفول في حياة المصريين من علاقة حميمية فلقد كافأوا «الشافعي» باتباع مذهبه إذ رد الاعتبار للفول.
* التقيتُ عالما أزهرياً في «مصر» وما إن انتهيت معه في تحرير منتهى القول في «مسالك العلة» حتى ربت على كتفي وقال (من أكل الفول فهم الأصول)!
بقية القول: راجعوا بشيء من جرأةٍ كثيراً مما تلقيتموه بالقبول المطلق وهو ليس قرآنا ولا صحيح سنة حتى لا تكونوا «ضحايا» كصاحب الفول إذ ذهب مغاضباً!!
نقلا عن "الشرق"

arrow up