رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

المسـألة ليست في كم الدخل الكلي للخزينة العامة!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ثمة الكثير من السلبيات وأوجه القصور التي تحتاج إلى معالجة حتى نستأصل ليس الفقر وحده ، بل ونحقق رفاهاً غير مسبوق في أي دولة بالعالم . لأن الشرع الذي يحكم حياتنا وينظمها استطاع أن يحقق هذا الإنجاز لأول مرة في تاريخ البشرية في عهد الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز ، يوم لم يوجد فقير يحتاج إلى أن تعطـى له الزكاة . واليوم ثمة دول أعنى من ذلك بكثير ، مثل الدول الأسكندنافية ، وأمريكا ، واليابان ، ويوجد بها فقراء بالرغم من ذلك . إذاً المسـألة ليست في كم الدخل الكلي للخزينة العامة ، وليست في موقف ميزان الدولة التجاري مع الدول الأخرى ، وليس في أرقام الصادر والوارد من موارد الدولة . المسـألة كلها تتركز في العقلية التي يوكل إليها تنفيذ برامج الدولة ومؤسساتها ، هذه العقلية التي تحتاج بالفعل إلي تجديد ، يجعلها عقلية مؤسساتية ، ويغير مفهومها للسـلطة الإدارية ، فلا يصبح المنصب تشريفاً ، أو وجاهة اجتماعية ، بقدر ما هو تكليف شاق وأمانة يحاسب الإنسان عليها في قبره ـ قبل قيامته ـ على كيفية نهوضه بها وأدائها .
ولكن يجب أن يحاسب بها في حياته من قبل الجهات التي كلفته حمل هذه الأمانة وقبل بها وبشروطها ، أي أن يؤديها بكل أمانة وأن يبذل في سبيل أدائها كل ما في وسعه . أما والمسئول يشعر بأن المنصب مكافأة له من أجل حسبه أو علمه أو جهته التي إليها ينتمي ، فإنه سيحكّم أهوائه ومزاجه وسيوظف المنصب والمؤسسة لصالحه الخاص ، وصالح من يقرب له من الناس . وقد حدد الشرع من قبل لنا كيف يجب أن تدار مصالح الناس ، ووضع الحدود والمواصفات لمن يتولى أمور الناس ، وما هو المنهج الذي يجب أن ينتهج في العمـل العام . وما ازداد الفقراء فقراً في البلدان الغنية مثل التي ذكرناها ، وزاد الأغنياء غنى ، إلا لأن الفلسفة الرأسمالية والمنطق الرأسمالي والمنهج الاقتصادي الرأسمالي يؤدي إلي هذه النتيجة . وهذا ما يجعل الإسـلام ينفرد بين العقائد والفلسفات والأديان لأنه وضع قاعدة ثابتة .. أن المال إنما هو مال الله ، وإن ملكه الناس ، فإنهم إنما يملكون شيئاً ليس لهم على الحقيقة ، وإنما يملكونه على سبيل الوكالة ..
وأن من أوكلهم على أمواله ، لم يتركها لهم دون شروط ، وإنما حدد لهم كيفية التصرف في ماله . وإن نزع ملكية المال من الناس وإرجاعها إلى خالق الناس ، أفرز نظاماً أخلاقياً في التعامل مع هذا المال ، وحدد له أهدافاً وقنوات ومصارف يجري من خلالها إلى مقاصده الإلهية . وهذا هو معنى الاستخلاف . لذا فإن محاربة الفقر لا تتحقق بهذا الشـكل . فإن هذا برنامج إسعافي يستفيد منه الفقراء الموجودون الآن بيننا ، وهم سيستفيدون منه على المدى القصير ، لأنه سيؤمن لكلٍ منهم السكن اللائق ، ولكن كيف ستستمر حياتهم على المدى البعيـد ..؟ .. وكيف نؤمن الأوضاع لمن سيأتون من بعدهم بعد سنوات ..؟ ..
هذا ما يجب أن نفكر فيه عميقاً نحن جميعاً .. ولاة الأمر ، والتنفيذيون ، والقائمون على صندوق محاربة الفقر ، وكل مفكر وأكاديمي ، وكاتب ، وصحفي ، ومواطن . يجب أن نفكر بعقلية إستراتيجية تبحث في جوهر الظواهر دون أن تتجاوز شكلها الخارجي أو أعراضها . عندها سيجدون أن أول خطوة في الاتجاه الصحيح ستنطلق من ضرورة إرساء طريقة جديدة للتفكير ، تضع في حدقة العين منها ، أن المملكة لا تعانى من مشكلة الإمكانيات ، فما هو متوفر ـ والحمد لله ـ كفيل بأن يلغى هذه الظاهرة من أجندتنا الوطنية ، وأن مشكلتنا الأولى هي في كيفية توظيف هذه الإمكانيات على النحو المرجو والملائم .. هل قلت هذا من قبل ..؟؟ نعم قلته مراراً وتكراراً .. وهاأنذا أعيده .. فهلا تفكرنا فيـه ؟ !! ..

arrow up