رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مها الشهري
مها الشهري

تزكية للدخول في الرحمة!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

غادرنا الزميل عبدالرحمن الوابلي رحمة الله عليه تاركا خلفه تاريخا من النضال والإبداع، لكن البعض ينظر لتاريخ مثل هذا كملف أسود ويصنف أعمال المخالف التي لا تتفق مع رأيه كمعاصٍ، فالقدسية التي يعيش فيها وفق إجماع الغالبية منحته الثقة والجرأة على إطلاق الأحكام على الناس وتصنيف هيئتهم وربما تقرير مصيرهم.

برامج ومسلسلات النقد الساخر مثل طاش ما طاش وسلفي وغيرها على غالبية ما يطرح منها تعتبر من الأعمال الرائدة التي تنعكس للمشاهد في صورة التسلية والتندر، لكنها تخرجه من التابو وتغرس فيه مفاهيم تصحيحية للكثير من المغالطات بما يقوم عليه النقد، فكيف يظن بعض المتدينين أن الإبداع في مجالات الحياة من أساليب الفن والأدب والكتابة والنقد يأتي بمخالفة الدين وبمعزل عنه، بينما ينظرون إليها كأعمال تحول بين أصحابها وبين رحمة الله، حيث امتلكوا الحق بتأطير الرحمة وتصنيف من يدخل فيها ومن يخرج منها، وهذا لا يفرق عن فكر كنائسي عاش في العصور المظلمة وأخذ الحق في تمليك الناس منازلهم في الجنة.
رفض النقد هو رفض التصحيح للأخطاء والتجاوزات، ورفض النقد يعني تكريس الحالة الاجتماعية التي يغيب فيها العقل الاجتماعي عمدا، فالتدين أحيانا لا يقوم إلا على رفض الآخر، وهي الطريقة التي تحفظ للوصوليين شعبويتهم، أي أن التنافس بعقلية التاجر على من يمتلك عقل الجماهير من حيث يمكن خداعه في عاطفته الدينية، مما يجعل التنازل عن هذه المكانة والدور الوظيفي أمرا صعبا.
الإبداع والابتكار في مجالات الحياة هو الثروة الحقيقية التي طالما كان الإنسان أهم أدواتها كواسطة لترجمتها على أرض الواقع، لكنه يوضع على النحو الضدي لمفهوم الدين، بالرغم من سهولة التعبير عنها كأحد الجوانب التي تحقق من الإنسان منفعة لحياته بما لا يتنافى مع دينه، ولكن حالة النوستالجيا والحنين إلى الماضي سكنت في نفوس الناس كأحد المعوقات القاتلة للفكر والإنسان، وقامت بتوجيههم للخلاص دون التفكير في الجدوى من الحياة كحالة مرضية تقوم على رفض الإنسان لوجوده دون وعي.
لرحمة الله في هذا الكون مجال أوسع من عقول الناس والدخول فيها ليس بحاجة إلى تزكية البشر، بينما تقوم حياة الناس على جملة من التعاملات العامة والخاصة والتعدي عليها يعني التعدي على حرماتهم، وليس من الحق تصنيفهم أو تقرير مصيرهم كعصاة أو صديقين لمجرد أن نختلف أو نتفق معهم، لأن ذلك يخرج عن حدودنا وصلاحياتنا.
كان الوابلي صاحب رسالة وقضية، وقد أبلى من أجلها بلاء حسنا.
نقلا عن عكاظ

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up