رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

تكيف الاقتصاد مع الإصلاحات الاقتصادية

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

امتدادا للحديث حول ترقب التغير المحتمل في تكاليف المعيشة بدءا من مطلع العام المقبل، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية "ضريبة القيمة المضافة، إصلاح أسعار استهلاك الطاقة، رسوم العمالة الوافدة"، الذي انتهت خلاصة مناقشته في الجزء الأول لهذا المقال، إلا أن آثار الإصلاحات الراهنة ستواجه جدارا صلبا من المتغيرات العكسية، ستحد بدورها من الآثار المحتملة للإصلاحات، وإن حدث شيء من ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة في البداية، فسرعان ما سيخفت تدريجيا خلال الفترة التالية تحت الضغوط الاقتصادية والمالية القائمة، وتتم تسوية تلك الآثار المتعارضة، التي ستؤول بمحصلتها النهائية إلى واقع مختلف تماما عما كان مرتقبا أو متوقعا. والتأكيد في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، على تدني مرونة رفع الأسعار من جهة المنشآت والمحال، مقابل التراجع المتئد في قوى الطلب، إضافة إلى ارتفاع مستويات الرقابة على الأسواق المحلية، بفضل تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة، ودوره في تضييق مساحات التلاعب بالأسعار أو زيادتها بنسب عالية دون مبررات مقبولة، وهذا الجانب من أهم ما كان مفتقرا إليه لدى الأجهزة الرقابية في أوقات سابقة، وتسبب وجوده في معاناة الكثير من المستهلكين محليا مع أشكال واسعة من التلاعب بالأسعار وتضخيمها دون قيود رقابية فاعلة. يمكن القول إن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، في الوقت نفسه الذي يواجه الاقتصاد الوطني ركودا ملموسا في مختلف نشاطاته، سيكون له إيجابياته وسلبياته العديدة، التي يتطلب الخوض فيها واستعراضها مجالا أطول بكثير مما هو متاح هنا. إنما فيما يتعلق بجانب التضخم وارتفاع الأسعار، فوفقا لحالة الركود الراهنة وتباطؤ الأداء الاقتصادي المحلي، وتراجع معدلات نمو السيولة المحلية، فلا شك هنا أن مرونة أو فرص ارتفاع الأسعار ستكون أقل بكثير، مقارنة بما لو كانت حالة الاقتصاد والسيولة في مستوى عافية أفضل وأكبر مما هو عليه الوضع الراهن، وهو ما سيهدئ كثيرا من قلق شرائح واسعة جدا من المستهلكين، رغم أنه في المقابل يمثل ضغوطا أكبر على المنشآت والمحال التجارية والصناعية والخدماتية، نظرا لتدني المرونة لديها على رفع الأسعار، وتعويض الارتفاع الناشئ في تكاليف الإنتاج والتشغيل، والمحافظة بذلك على أفضل قدر ممكن من هامش الأرباح. ستجد منشآت ومحال القطاع الخاص نفسها أمام تحديات حقيقية، لا مجال على الإطلاق لتجاهلها أو القفز عليها، ولا مجال حتى للتلاعب أو الالتفاف حولها كما اعتاد بعضها في مراحل زمنية مضت! وهنا يمكن أن تلجأ تلك المنشآت إلى خيارات أخرى بعيدا عن رفعها للأسعار، عبر الخيارات التالية منفردة أو بمزيج منها: (1) تتنازل عن جزء من هامش أرباحها، وهو الهامش الذي يعد كبيرا جدا بالنسبة لكثير من المنشآت والمحال "تجاوز هامش ربحية أكثر من 1.0 مليون منشأة في القطاع الخاص سقف 1.4 تريليون ريال بنهاية 2016، وفقا للهيئة العامة للإحصاء"، نتج هذا الهامش الكبير في الأرباح عن انخفاض أغلب بنود التشغيل لديها، التي كشفت بيانات المسح الاقتصادي لعام 2016، عن بلوغ تعويضات "رواتب ومزايا وبدلات" المشتغلين في تلك المنشآت نحو 271 مليار ريال، وتحملها لنفقات تشغيلية بلغت 1.2 تريليون ريال، ليصل إجمالي تكاليفها إلى نحو 1.5 تريليون ريال، تم تحميلها على إجمالي إيرادات متحققة لمنشآت القطاع الخاص للعام نفسه، تجاوزت سقف 2.94 تريليون ريال، أسهم في ارتفاع هذه الفوائض التشغيلية للمنشآت خلال الأعوام الماضية، تمتعها بكثير من مزايا التحفيز الحكومي، وانخفاض مستويات الالتزامات المالية على تلك المنشآت، إضافة إلى ضعف أدوات الرقابة على الأسعار. وحينما تتنازل أغلب تلك المنشآت عن جزء من هوامش أرباحها، امتصاصا للارتفاعات الطارئة على تكلفة التشغيل، ودون أن تغامر خلال الظروف الراهنة برفع الأسعار، فإنها ستظل هي نفسها أكبر الأطراف المستفيدة وإن تقلصت هوامش أرباحها، فكل ما سيحدث أن تلك المنشآت تنازلت عن تحقيق مستويات قياسية من الأرباح المضاعفة إلى مستويات أدنى، تظل أيضا ذات جدوى عالية، وذات عائد ممتاز على رأس المال المستثمر. (2) لا يعني ما تقدم ذكره أعلاه، أنه لا يوجد منشآت قد تخسر رؤوس أموالها، وأنها لن تستطيع التكيف مع ارتفاع تكلفة التشغيل إلا عبر رفع أسعار منتجاتها أو خدماتها، وهو الخيار الذي قد يواجه صعوبة كبيرة من حيث إمكانية تطبيقه، وفقا لحالة الاقتصاد المحلي وتحت الضغوط الراهنة. لا أحد يمنع تلك المنشآت أو غيرها من رفع أسعار منتجاتها أو خدماتها، فالأمر خاضع أولا وآخرا لقوى العرض والطلب، هذه القوى تبين تقلص خيارات رفع الأسعار في ظل الظروف الراهنة، وتعلم تلك المنشآت تمام العلم قبل غيرها من الأطراف، أن من لم يستطع شراء منتجاتها أو خدماتها في ظل الأسعار السابقة، ستكون الشريحة غير القادرة على الشراء حال رفع الأسعار أكبر وأوسع دون أدنى شك، وهذا يعني إحدى نتيجتين؛ إما تقليص حجم المنشأة عموما، وإما العمل على معالجة بنود تكاليف التشغيل (الأجور، الإيجارات) بخفضها أو تقليص مدفوعاتها، وهي الخيارات التي أصبحت ممكنة وقابلة للتطبيق، بغض النظر عن الآثار المحتملة لكل خيار منها على بقية معطيات الاقتصاد الوطني، سواء على مستوى سوق العمل ومعدلات التوظيف والبطالة، أو على مستوى سوق العقار وانخفاض أو تغير معدل عائد الإيجار. الخيارات عديدة وواسعة جدا أمام منشآت القطاع الخاص، للتكيف مع آثار ونتائج الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، بما فيها رفع مستويات الأسعار! إلا أن المحك النهائي لإمكانية تطبيق تلك الخيارات، يعتمد في نهاية المطاف على تحققه من عدمه، قياسا على اعتبارات وشروط موضوعية خارج سيطرة تلك المنشآت، تظل تلك الاعتبارات صاحبة القول الفصل في هذا الشأن، وهو ما تعيه جيدا تلك المنشآت والمحال قبل غيرها. والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up