رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

ثلاجة وعلب صفيح

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في أيامنا هذه يمكننا فتح الثلاجة لتناول ما نريد، أو شراء معلبات صنعت قبل زمن بعيد.. غير أن حفظ الطعام وتوفره وقت ما نريد لم يكن دائما بهذه السهولة.. فالثلاجة اخترعت عام 1914 والمعلبات عام 1800 وهذا يعني أن البشرية عاشت معظم تاريخها تعاني من مشكلة الاحتفاظ بالأطعمة لوقت طويل.. كان على الانسان إما تناول طعامه بسرعة (قبل أن يفسد) أو يمر بفترات مجاعة طويلة حين يشح أو يتعفن.. كان يصعب على المسافرين والجنود السفر لمسافات بعيدة قبل أن تظهر الديدان ويرقات الذباب في طعامهم.. لهذا السبب أمرنا بالإحسان لابن السبيل (المسافر المنقطع) في حين كان النهب والسلب وسيلة الجيوش للعيش في المسافات البعيدة..
كانت هناك طرق محدودة لحفظ الأطعمة من أبرزها التجفيف والتمليح والتبريد وإضافة العسل والسكر.. كان اللحم يُملح (كي لاتنتشر فيه البكتيريا) وكانت الفاكهة والعجين يجففان (ومن هنا اخترعت المكرونة والسباغيتي) وكان التمر والعسل الزاد المفضل للمسافرين (كون حلاوتهما تمنع الجراثيم من النمو)..
وبالطبع لم يكن أحد حينها قد سمع بالجراثيم أو يعرف أن هذه الطرق تقتلها وتمنعها من إفساد الطعام.. لم يكن الفرنسي لويس باستير قد اكتشف مسؤولية البكتيريا (وطريقة البسترة) إلا بعد خمسين عاما من اختراع طريقة التعليب عام 1800..
ففي مطلع القرن التاسع عشر كانت الجيوش الفرنسية تحارب في مواقع بعيدة عن باريس الأمر الذي تسبب بمشكلة تعفن الطعام أثناء نقله للجبهات. وهكذا أعلن نابليون عن تقديم جائزة كبيرة لمن يكتشف طريقة فعالة لحفظ أطعمة الجنود. وفي النهاية فاز بالجائزة طباخ يدعى نيكولاس أبرت لاحظ أن وضع الطعام المغلي في حاويات زجاجية (محكمة السد) يمنعها من التعفن ويحتفظ بها طازجة لمدة طويلة.. لم يكن أحد حينها يعرف السبب ولكننا نعرف اليوم أن "الغلي" يقتل البكتيريا، وأن حفظه في حاويات محكمة السد يمنع أكسدة وتحلل الطعام..
وكان نيكولاس ذاته قد أقام أول مصنع للتعليب (يعتمد على الزجاج والخزف) بأموال الجائزة نفسها.. وقبل وفاته بعامين أقام الانجليز أول مصنع لعلب الصفيح يعد أساس المعلبات التي نعرفها اليوم.. وبمرور الأيام تحسنت طرق التعليب حيث اخترعت الصفائح المعقمة، والتغليف المضاعف، والمواد الحافظة، وحاويات البلاستيك والنايلون، والتبريد المفاجئ للطعام بعد غليه (لقتل البكتيريا التي لم تقتلها الحرارة)!
.. أما ثاني أهم اختراع في حفظ الطعام وتوفيره فكان تبريده داخل البيوت.. لم تكن الطريقة ذاتها جديدة كون بيوت الثلج كانت معروفة في المناطق الباردة (ولايزال أجدادنا يذكرون قوالب الثلج القادمة من لبنان).. وفي حين كان سكان الصحاري يحفظون طعامهم من خلال تجفيفه تحت حرارة الشمس، كان الإسكيمو يحفظون طعامهم من خلال دفنه تحت برودة الجليد..
وفي مطلع القرن التاسع عشر ظهرت ثلاجات ضخمة تعمل بضغط البخار.. كان معظمها خاصا بالمصانع ومخازن الجيش وتشبه الثلاجات التي نراها اليوم في مخازن الجملة.. أما أول ثلاجة خاصة بالمنازل فكانت تعمل بالميثان وظهرت في أميركا عام 1913 على يد مخترع يدعى فريد وولف.. وبعدها بعام قدم مخترع يدعى ناثونال ويلز أول ثلاجة كهربائية تعد أساس ثلاجاتنا الحديثة..
واليوم وصلنا لمرحلة بدهية لا نحتاج فيها لتناول طعامنا سوى لفتح باب الثلاجة أو علبة الصفيح..
مرحلة أصبح فيها حتى أطفالنا يعتقدون أن الطعام يأتي من الثلاجة، وعلب الصفيح تنمو فوق أرفف المتاجر.
نقلا عن الرياض

arrow up