رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

صديقي المسيحي وإفطار صائم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

نحن في أَمسّ الحاجة إلى إظهار الوجه الجميل للمواطن السعودي بصورة عملية تبدد الصورة الذهنية السلبية التي يبثها الإعلام المغرض، بمباركة من سلوكيات مسلمة متزمتة في رمضان الماضي، دعوت صديقي المسيحي وأسرته لتناول وجبة الإفطار الرمضاني في منزلي. لم تكن المرة الأولى في استضافتهم وغيرهم من الشعوب الأخرى المقيمة في بلدنا، لنشر ثقافة التقارب والتواصل الحميم، وإظهار محاسن ما يحمله المواطن السعودي من هوية الحب والتقدير للآخرين، والتسامح مع الجميع. تلك الهوية الجميلة التي طمسها التشدد الطارئ على الوطن، وحوّلها إلى ثقافة مختلفة ليست من طباع الإنسان العربي الشهم. اتفقت وأسرتي على تقديم الدعوة لتشاركنا أسرة «جويل» الأميركية سفرة رمضان في المنزل. لا أخفي حقيقة ما ورد في ذهني من احتمال اعتذار صديقي جويل من هذه الدعوة لأسباب معينة، منها الصورة النمطية السيئة التي أسهم في رسمها الفكر الإقصائي والإعلام الغربي في مخيال شعوب الأرض، وبالأخص الأميركي تحديدا. رغم هذا، إلا أن نسبة قبول الدعوة كانت كبيرة تفوق احتمال الاعتذار، لمعرفتي بأخلاق وروح صديقي العالية. جاءت الإجابة الراقية على الهاتف “…it‪’s my pleasuer and my family too”،‬، من دواعي سروري وسرور عائلتي أيضا. قبول الدعوة من الضيف وحرمه الكريمة كان محل تقدير كبير جدا منا، وكذلك ممن سمعوا وقرؤوا الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي، كـ»تويتر» و»واتساب». كان ضمن الأهداف -علاوة على ما سبق- تعريفهم، عن قرب، على عادات وتقاليد المسلمين لشعيرة الصيام، ووجبة الإفطار وما تتخللها من طقوس معينة، ونقل الصورة الإيجابية للمجتمع السعودي أمام الأسرة الأميركية التي هي بدورها ستنقل الانطباع الذي شاهدته عمليا. كان حماس ربة البيت الغالية «فاطمة» لا يوصف، من حيث الفكرة والأهداف. لذا، فضّلت أن تكون كل التجهيزات من مطبخها، دون الاستعانة بالوجبات المجهزة من السوق. اتفقنا أن يكون الأمر بمنتهى البساطة ودون تكلف، ليكون معبرا عن الواقع. وإمعانا في تصوير الواقع، عمدنا إلى أن يكون تحضير الوجبة بالطريقة التقليدية، سفرتين: سفرة خفيفة مع الأذان، عبارة عن قهوة وتمر وسمبوسة وماء وعصائر، تليها سفرة رئيسية بعد صلاة المغرب. حضر الضيوف قُبيل المغرب، بحسب التقليد المتبع، بناء على الاتفاق المسبق، إذ كان الضيف قد سأل عن الوقت المعتاد للحضور. كانت المفاجأة الجميلة أن جويل وزوجته «إيميلي» صائمان بغرض مشاركتنا ومعايشة التجربة. بعد الإفطار الأول، استأذنتُ وفاطمة الضيوف لأداء صلاة المغرب، وعدنا إلى السفرة الثانية التي كانت مُعدّة على الأرض بدلا من طاولة الطعام، حتى يكون المشهد تقليديا أكثر. جاء وقت الشاي والمشاهدة التلفزيونية التي تُعد السفرة الثالثة الممتعة للصائم من خلال برامج الكاميرات الخفية والحلقات الترفيهية الخفيفة. كان الانطباع بين الأسرتين يفوق الوصف، شمل أيضا الأطفال الذين استمتعوا باللقاء بطريقتهم. ودّعنا الضيوف إلى حيث سيارتهم ومكبرات المساجد تعج بأصوات التلاوات والتكبيرات لصلاة العشاء والتراويح. لست بحاجة إلى أن أطالب بتبني المبادرة، فالرسالة مفهومة وجلية، ولربما هناك من سبقني إلى هذه الفكرة التي أرى أهميتها، لا سيما وأنه يعيش بيننا ضيوف كرام من مختلف دول العالم، ونحن في أَمسّ الحاجة إلى إظهار الوجه الجميل للمواطن السعودي بصورة عملية تبدد الصورة الذهنية السلبية التي يبثها الإعلام المغرض بمباركة من سلوكيات مسلمة متزمتة. بُعيد المناسبة؛ قمتُ بنشر الخبر على صفحتي التويترية، مرفقا بعض الصور الجماعية على سفرتَي الإفطار، وكذلك اللقطات الحميمية بين الأطفال. كان التفاعل كبيرا جدا إذ تجاوز 690‪,‬000 بين مشاهدات وريتويت وتفضيل وردود ومتابعة. رحّب كثيرون بالمبادرة والرسالة التي تحملها، غير أن المفاجأة هي انبعاث حملة نسائية مضادة من بعض المتابعات الكريمات اللاتي انصب اهتمامهن على الصور الفوتوجرافية. تركّز نقدهن على ظهور صورة الضيفة «إيميلي» دون المُضيفة فاطمة. تأثرت الأخريات بالحملة وتعاطفن مع «المعزبة» التي ادّعين أنها أفطرت في المطبخ، لعدم ظهور صورتها الشخصية، رغم التعب والمشقة في تجهيز الإفطار. أحد التعليقات الطريفة تقول: «المرة الجاية يا فهد اعزم الأميركي لحاله، شعبنا مو وجه تعايش». هذه الجزئية السلبية اليسيرة، غطّت عليها التعليقات الإيجابية المتعددة، والتي عبّرت عن دعمها للمبادرة ومضامينها الإيجابية.
نقلا عن "الوطن"

arrow up