رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

التوازن اللازم لحلول الإسكان

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

خلص تحليل أداء وزارة الإسكان خلال المقالات الثلاثة الأخيرة، إلى افتقار حلول أزمة الإسكان المحلية للتوازن اللازم بينها، سواء على مستوى تنفيذ نظام رسوم الأراضي البيضاء "جانب العرض"، الذي أظهر التقرير السنوي للوزارة 2017 تأخره كثيرا عما كان مخططا له "لم تتجاوز متحصلات إيراداته سقف عشرة ملايين ريال"، أو على مستوى تنفيذ ونتائج برنامج سكني "جانب الطلب"، وما أظهره أيضا من ضعف في نتائجه الإجمالية، بما لا يتجاوز 42.2 في المائة كنسبة إجمالية لقبول منتجاته كافة من قبل المستفيدين، وجاءت أدنى من ذلك في المناطق الرئيسة التي تعاني أكثر من غيرها من المناطق مع أشكال الأزمة (لم تتجاوز نسبة قبول مستفيدي منطقة الرياض 32.5 في المائة).
لطالما تم الحديث إلى وزارة الإسكان خلال العامين الأخيرين عبر مختلف الوسائل، أن أي حلول سيتم العمل عليها في إطار مواجهة أزمة تملك المساكن الراهنة، دون الأخذ في الحسبان للضرورة القصوى للتوازن بين العرض والطلب، أن مآلها إلى التأخر والتعثر كأدنى مستوى من آثارها العكسية، وقد تصل إلى تعقيد الأزمة التنموية الإسكانية أكثر مما كانت عليه، وهو ما نتمنى جميعا ألا تكون قد وصلت إليه كما نشهده في الوقت الراهن من نتائج متدنية لمعالجة الأزمة.
لم يكن لحلول جانب الطلب "زيادة التمويل في الدرجة الأولى"، أن تتقدم أكثر مما تحقق لها من نتائج محدودة جدا، في ظل تأخر حلول جانب العرض "الضرورة القصوى لخفض الأسعار وفك أشكال الاحتكار"، التي أسهم بقاؤها حتى تاريخه في منأى من رسوم الأراضي البيضاء، وعدم انخفاض الأسعار كما كان مستهدفا له أن يكون فعلا. أؤكد أنه أسهم في اصطدام حلول تحفيز الطلب بجدار الأسعار المتضخمة، ولم يتغير الحال كثيرا على الرغم من انخفاض الأسعار بنسب تعد محدودة جدا مقارنة برالي الصعود الهائل الذي قطعته خلال العقد الزمني الأخير، وهو ما انعكس حتى تاريخه على أداء السوق العقارية المحلية، التي أنهت عامها الرابع على التوالي من ركود ناهزت خسائره حتى نهاية آب (أغسطس) الماضي 212 مليار ريال "خسارة 71 في المائة من إجمالي قيمة صفقاتها العقارية"، ويقدر أن ترتفع حصيلة تلك الخسائر الفادحة إلى نحو 300 مليار ريال مع نهاية العام الجاري!
يعلم الغالبية من العاملين في السوق العقارية والمراقبين، أن الانخفاض الذي تحقق حتى تاريخه جاء نتيجة عوامل اقتصادية ومالية عديدة، وأن غياب التوازن في حلول وزارة الإسكان أسهم في مزيد من الركود المخيم على السوق، نتيجة تطلع المستهلكين لمزيد من انخفاض الأسعار المتضخمة، تصل من خلاله إلى مستويات مقاربة لقدرتهم الشرائية، إلا أنه اصطدم بصلابة جانب العرض، لعدم تعرضه للضغط الكافي ممثلا في التطبيق الكفء لنظام الرسوم على الأراضي، وشعوره لاحقا بمستوى عال من الأمان وعدم الخوف من تلك الرسوم وفق الآليات الراهنة لتنفيذها، ويكفي هنا أن تقارن بين مخاوف وترقب ملاك الأراضي قبل إقرارها وبين اختفاء كثير من تلك المخاوف بعد التنفيذ! كل هذا أسهم بدوره في إبقاء أغلب المساحات الشاسعة من الأراضي البيضاء داخل المدن على هيئتها قبل إقرار نظام الرسوم عليها! وزاد الأمر تعقيدا هنا؛ أن جزءا كبيرا من مخاوف ملاك الأراضي والعقاريين تجاه الرسوم على الأراضي، قد تحول إلى عودة الآمال بمزيد من ارتفاع الأسعار، نتيجة ضعف تنفيذ الرسوم والزخم الهائل الذي أحدثه برنامج سكني، بإعلانه عن 580.3 ألف منتج سكني، شكلت المنتجات المعتمدة على ضخ السيولة والتمويل منها نحو 420.2 ألف منتج "72.4 في المائة من الإجمالي"، أي ما تفوق حدوده الدنيا من حيث القيمة بالريالات سقف 210 مليارات ريال.
أدى المشهد السابق أعلاه؛ إلى بقاء الأزمة الإسكانية معلقة في منطقة ضبابية، فلم تصل الأسعار المتضخمة بعد إلى مستويات القدرة الحقيقية لدخل غالبية شرائح المجتمع على الرغم من انخفاضها، إلا أنه لا يقارن بما شهدته من ارتفاعات قياسية سابقة. ومن جانب آخر؛ زاد تعلق أقطاب جانب العرض بعودة الأسعار إلى الارتفاع، منتعشة آمالهم أولا بعدم الخوف من التنفيذ الراهن للرسوم على الأراضي، وثانيا بالترقب الكبير لضخ أكثر من 210 مليارات ريال في السوق العقارية عبر مختلف منتجات برنامج سكني! ولهذا استمر تفاقم الركود العقاري، واستمرت أزمة الإسكان في التوسع أكثر مما سبق!
يجب أن تتأكد وزارة الإسكان، أن حل الخروج من هذا المأزق بيدها قبل أن يكون لدى أي طرف آخر، وأنه يبدأ من تنفيذ أعلى كفاءة وأكثر حزما لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي سيلغي كثيرا من قناعات جانب العرض باستدامة الأسعار على ما هي عليه "الأسعار المتضخمة أساس الأزمة"، ويلغي معه أشكال الاحتكار والاكتناز للأراضي، ويلغي أيضا المضاربات المحمومة عليها، ما سيسهم في تسارع وتيرة الخلاص من الحلقة المفرغة للتضخم الكبير في الأسعار، وتعود على أثره السوق إلى النشاط والحراك، لكن وفق مستويات سعرية عادلة، ستخدم شرائح واسعة جدا من الأطراف لا يمكن مقارنتها لا عددا ولا حجما بالجزء القليل جدا المحتمل تضرره من انخفاض الأسعار.
ولن تقف الإيجابيات عند هذه الحدود، بل تتخطاها إلى انخفاض تكلفة حلول الإسكان على كاهل الدولة والمجتمع على حد سواء، فما قد تصل أرقام تكلفته كحلول تمويلية وفق الأوضاع المعقدة الراهنة للإسكان لأكثر من تريليوني ريال خلال الأعوام المقبلة، ويواجه اليوم تعثرا مشاهدا وملموسا من الجميع، لن تتجاوز تكلفته بعد انخفاض الأسعار المتضخمة كما يجب أن ينخفض سقف الـ 500 مليار ريال كحد أقصى!
أيضا من الإيجابيات المهمة جدا في هذا الاتجاه المحمود؛ أن جزءا كبيرا من الشرائح المجتمعية المحتشدة على بوابة انتظار وزارة الإسكان وصندوقها العقاري، تحديدا أصحاب الدخل المتوسط فأعلى، لن تكون في حاجة إلى الاصطفاف ضمن مئات الآلاف في قوائم انتظار موافقات الوزارة والصندوق، وما حاجتها إلى ذلك في ظل انخفاض الأسعار المتضخمة وعودتها إلى المستويات العادلة بالنسبة لتلك الشرائح المتوسطة الدخل فأعلى، التي ستقوم إما بشراء الأراضي أو الوحدات السكنية المعروضة أمامها بأسعار مناسبة ومنخفضة، والاستفادة من قنوات التمويل العديدة، دون أن ترهق ميزانياتها كما هو قائم الآن، الذي سيخفف بدوره من الضغوط الهائلة على الوزارة وصندوقها، والأهم من ذلك انعكاسه إيجابيا على زيادة نشاط الاقتصاد الوطني عموما، والسوق العقارية المحلية تحديدا، ويحقق خروجا من الأزمة التنموية للإسكان؛ أقل تكلفة وأسرع خطوات وأكثر نفعا. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up