رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

ماذا تعني اعتراضات منشآت القطاع الخاص؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بداية من حيث انتهى المقال الأخير "ما نوع القطاع الخاص الذي نريده لاقتصادنا الوطني؟"، إشارة إلى أي تبريرات قد تصدر عن أغلب منشآت القطاع الخاص؛ لعدم قدرتها على التكيف مع الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، أنها تعد اعترافا صريحا منها بأنها غير قادرة على الوفاء بمتطلبات برامج التحول الراهنة، التي تستهدف النهوض باقتصادنا الوطني.
وعليه؛ إما القبول بإرادة وشروط منشآت القطاع الخاص، التي تريد "صراحة" أن يستمر تسخير كل مقدرات الاقتصاد الوطني وفق ما يريد أرباب هذا القطاع، أو أن نمضي قدما في طريق الإصلاحات الاقتصادية الراهنة، والوصول لاحقا إلى الفوز بقطاع خاص من نوع آخر، مختلف تماما عن القطاع الراهن، يقوم هو بدعم وتحفيز الاقتصاد والمجتمع. وكما هو معلومٌ، لا يمكن العودة بأي حال من الأحوال إلى الوراء مهما كلّف ذلك، فوتيرة الإصلاحات الاقتصادية انطلقت منذ أكثر من عامين سابقين، ولن تقف عند تمنُّع طرف من الأطراف مهما كان وزنه.
نعم، قد تطرأ بعض التعديلات أو التغييرات في أجزاء من البرامج التنفيذية، وهو أمرٌ متوقع وموضوع في الحسبان مسبقا، والهدف الرئيس منه هو رفع قدرة وكفاءة تلك البرامج، لكن لا يمكن أن تكون أي من تلك التغييرات بمنزلة التراجع أو الإلغاء لأي من التوجهات والأهداف النهائية للرؤية الإصلاحية الشاملة. ليس جديدا أن نشهد من فترة إلى أخرى، صدور عديد من اعتراضات منشآت القطاع الخاص على ما يتعلق بها من إصلاحات، تستهدف قيامه بمزيد من أدواره الأساسية، كزيادة الإنتاج وتنويعه، وزيادة توطين الوظائف لديه على حساب العمالة الوافدة المليونية، أو زيادة تحمله أعباء وتكاليف تشغيله، نتيجة إصلاحات أسعار استهلاك مصادر الطاقة، وغيرها كثير من الإصلاحات.
كما ليس مقبولا ولا ممكنا بأي حال من الأحوال، استمرار ما كانت تقف عليه من "دلال" باذخ على حساب رعاية الحكومة، نتجت عنه هوامش أرباح طائلة، لم يشهد الاقتصاد ولا المجتمع انعكاسا أو مردودا إيجابيا منها كما يجب على نمو الاقتصاد الوطني، وتوطين الوظائف، ومستويات الأجور المدفوعة إلى العمالة الوطنية، وغيرها من الآثار الإيجابية التي كان منتظرا أن نراها ونلمسها اقتصاديا واجتماعيا، بل على العكس تماما من كل ذلك، شهدنا اعتمادا مفرطا متزايدا من تلك المنشآت على معونات الحكومة، واعتمادا أكثر إفراطا على العمالة الوافدة، وتهميشا صادما للعمالة الوطنية في وظائف هامشية "التوطين الوهمي"، تزامن مع مستويات متدنية جدا من الأجور "45.8 في المائة من العمالة الوطنية في القطاع الخاص أجورهم ثلاثة آلاف ريـال شهريا فما دون". الخلاصة من كل ما تقدّم، أن أي اعتراضات تمعن فيها أغلب منشآت القطاع الخاص، تعني بعبارة صريحة، أنها اعتراف صريح منها بعدم قدرتها على الوفاء بالمتطلبات التنموية والنهضوية للاقتصاد الوطني، وهو حق مكفول لها الاعتراف به، أن تعلن أنها غير أهل للقيام بما يجب على أي قطاع خاص في أي اقتصاد حول العالم.
في الوقت ذاته، الذي لم نشهد من شريحة أخرى من منشآت القطاع الخاص مثل تلك الاعتراضات، بل على العكس تماما أظهرت نموا في هوامش أرباحها، وقدرة جيدة على التكيف مع متطلبات وتحولات المرحلة الراهنة، ولم يظهر عليها أي انخفاض في معدلات التوطين لديها، أو في خططها التوسعية. وهنا يظهر الفارق الكبير بين منشآت اتسمت بعديد من السمات المالية القوية والمتينة، وضخامة رؤوس الأموال التي ضخت فيها، ومن جانب آخر منشآت افتقرت تماما لأي من تلك السمات الواجبة في أي منشآت تستهدف تحقيق الربح، الناتج من متانتها لا من الاعتماد المفرط على الدعم الحكومي الباهظ الثمن، ولا من الاعتماد الأكثر إفراطا على العمالة الوافدة، متدنية المهارات والخبرات ورخيصة الأجور.
المنطق القائم والمقبول هنا، أن البقاء للأقوى والأكبر من منشآت القطاع الخاص، التي تتوافر لديها القدرة على التكيف مع أي إصلاحات يقوم بها الاقتصاد الذي تعمل وتنشط داخل مجالاته، وأن الباب إليه سيظل مفتوحا أمام هذا النوع الجيد والمطلوب من تلك المنشآت المتينة. وفي الوقت ذاته، لا حاجة إلى الاقتصاد ولا المجتمع على حد سواء في وجود منشآت "هشّة" ضعيفة الأسس، تريد من وجودها امتصاص أكبر قدر ممكن من الدعم والرعاية والحماية، قد تسقط عند أول وأبسط معوق يعترض طريقها، بمعنى أنها في الأصل غير كفؤة على الإطلاق للحياة إلا في ظروف خاصة مكلفة جدا، مثل هذه المنشآت لا حاجة لأي اقتصاد حول العالم إليها، لا اقتصادنا فحسب! وهو ما كفله وسهّل طريق خروجه وتوقفه ممثلا في نظام الإفلاس.
ختاما؛ يجب التأكيد لجميع منشآت القطاع الخاص، أن اقتصادنا يتجه نحو الأعلى ونحو آفاق مختلفة تماما عن تلك التي اعتادها طوال نصف قرن مضى، ولن نعود بأي حال من الأحوال إلى تلك الأوضاع البائدة، والمستقبل سيكون أرحب لمن يمتلك القدرة والأهلية والكفاءة على مستوى الإنتاج وتنويعه والتوظيف الأفضل للعمالة الوطنية، عدا ذلك لا مجال للبقاء. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up