رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

تأمين الحزام التنموي للمجتمع والأسرة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أستخلص من المقالين السابقين، حول التحديات التنموية المحتمل أن يواجهها المجتمع والأسرة، نتيجة التحولات اللازم المرور بها اقتصاديا، وصولا إلى منهجية أداء جديدة للاقتصاد الوطني، تمنحه مزيدا من الاستقلالية عن تقلبات النفط، وربطا أعمق لأسس عمله بالإنتاج والتنافسية ومحاربة الاحتكار بأشكاله كافة، أؤكد أن الخلاصة من كل ذلك تقتضي العمل على تأسيس أو تأمين حزام حام لكل جوانب حياة المجتمع والأسرة، تحديدا الشرائح الأدنى دخلا والمتوسطة، وهو الأمر الذي قطع في مساره أشواطا تستحق الاهتمام والثناء، ويؤمل لها أن تكتمل صورتها النهائية المستهدفة، وأن تصل إلى درجة الكفاءة اللازمة التي تحقق فعليا حماية كافية للاستقرار المعيشي للشرائح المجتمعية المستهدفة، وأن تكفل أيضا مستوى ملائما من الاستقرار للشرائح الأعلى دخلا، بما لا يخل بتقدم اقتصادنا الوطني نحو تحقيق الأهداف النهائية لمشاريع وبرامج تحوله من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع الإنتاج. لا شك أن المواطن وأسرته سيواجهان عديدا من التحديات والمعوقات خلال مرحلة لاحقة، على مستوى تحقيق التوازن المعيشي والتنموي بصورة عامة، منها ما يمكنهم تجاوزه أو التكيف معه، ومنها ما يصعب عليهم. المهم هنا؛ أن المواطن وأسرته كنواة رئيسة تشكل في مجموعها المجتمع ككتلة، تعد هي الركيزة الأساسية لأي بلد في عالمنا المعاصر، وتعد أيضا النواة المفترض أن تكون المساهم الأول والأقوى في صنع الاستقرار والتطور والنمو والنهضة لأي بلد كان، شرط أن تحظى بالحماية الكافية لحزام أمانها التنموي بصورة عامة، وحزام أمانها الاقتصادي والاجتماعي على وجه التحديد، كأهم وأثقل مكون في حزامها التنموي العام، يكفل لها ولبقية الأسر بيئة حياتية مستقرة إلى أقصى درجة ممكنة، تؤهلها فعليا للقيام بأدوارها ومساهماتها المأمولة تجاه النهوض بمقدرات مجتمعها وموطنها كشريك رئيس فيهما. بناء عليه، فإن أية خروقات لذلك الحزام التنموي عموما، وتحديدا من جانبه الاقتصادي والاجتماعي، يعني بصورة مباشرة وواضحة أن المساهمة الإيجابية المنتظرة للأسرة كنواة مكونة للمجتمع في إنماء مقدرات بلادها، ستتأثر سلبيا دون أدنى شك في ظل هذا السيناريو الموضح هنا، وأن الآثار السلبية على الإنماء التنموي للبلاد، ستأتي أكبر وأخطر كلما ازداد أعداد الأسر التي تعرضت أحزمتها التنموية "تحديدا من الجانب الاقتصادي" للاختراق. تتعدد مكونات الحزام التنموي لأي أسرة كانت، إلا أن أهمها على مستوى حزام أمانها الاقتصادي والاجتماعي، يتصدره مكونان رئيسان هما: (1) أن يتوافر لرب الأسرة فرصة العمل الكريمة والملائمة، التي توفّر له مصدر دخل مستداما وكافيا، للوفاء بمتطلبات المعيشة الكريمة، وبما يؤهل رب الأسرة للمحافظة على استقراره الأسري والمعيشي، ويوفر له فرص المشاركة الفاعلة في النمو والتنمية الشاملة، والقدرة الكافية على تربية وتعليم الأبناء وتأهيليهم مستقبلا، لأن يكونوا أفرادا مؤهلين للمشاركة الفاعلة في تنمية ونهضة مجتمعهم وبلادهم. (2) توافر المسكن الملائم وغير المكلف ماديا لتلك الأسرة، بدءا من المسكن المستأجر في بداية تكوين الأسرة بما لا يستقطع أعلى من ربع الدخل السنوي لرب الأسرة، وانتهاء بتملك ذلك المسكن أيضا بما لا تستقطع أقساط تمويل شرائه ربع الدخل السنوي لرب الأسرة. ما يعني بالضرورة أن عمل أية سياسات وبرامج اقتصادية وتنموية بصورة عامة، لا يمكن مهما اختلفت سياقاتها وأهدافها النهائية أن تنجح على الإطلاق دون أخذ هذين المكونين في الاعتبار، بل وضعهما في مقدمة سلم أولوياتها، فلا يمكن أبدا أن يستقيم حال أي مجتمع في أي بلد كان، دون أن يحظى جانب توفير فرص العمل الكريمة للأفراد أولا، وتوفير السكن الميسر للفرد وأسرته ثانيا، بالاهتمام والأولوية القصوى. يقتضي الوفاء بهذه الركائز التنموية؛ جهدا ودراسة وتحليلا أكبر وأكثر عمقا من مجرد التطرق إليها في مقال عابر، وأن تأخذها الأجهزة والمؤسسات المعنية بشؤون الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة والشاملة في بلادنا على محمل أكبر من حيث الاهتمام والعناية، بل تمتد إلى تخصيص الموارد المالية اللازمة لأجل تحصين هذين المكونين الرئيسين، وتأهيلهما بالدرجة الكافية التي تصل بهما إلى الأهلية الممكنة للأفراد والأسر، وصولا إلى تمكين المجتمع عبر مكوناته الرئيسة من حماية وجودهما من أية مخاطر تهدد استقرارها أو تضعف من خياراتها الحياتية، ثم تؤهلها عن جدارة واستحقاق للوفاء بالأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقها فردا فردا تجاه حماية مقدرات بلادها ومجتمعها. توجد مخاطر عديدة لا يمكن حصرها في هذا المقام المحدود جدا؛ قد تهدد مرتكزات حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للفرد المنتج، التي سيمتد أثرها السلبي بكل تأكيد إلى أسرته، ومن ثم إلى مستوى المجتمع ككل. لن تستطيع الفصل بين مسببات وآثار تلك المخاطر في حزام الأمان الاقتصادي والاجتماعي للفرد وأسرته، إلا لغرض البحث والتحليل والدراسة، بهدف التوصل إلى تحديدها ومن ثم لاتخاذ القرارات أو الإجراءات التي تحد منها، أو للخلاص منها وإعادة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي إلى حياة الأفراد وأسرهم. وتأتي صعوبة الفصل هنا على المستوى المعيشي الواقعي بالنسبة للفرد وأسرته، من كون تلك المسببات والآثار يغذي بعضها بعضا. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up