(غروزني) ولا تخبيشي يا زين!!

من يتصفح التاريخ سريعًا، لن يستغرب مهزلة مؤتمر (غروزني) السياسية، وليست الدينية العلمية!
ومن أفدح الأخطاء التي لم يتنبه لها عالم في التاريخ حتى الآن ـ حسب علمنا القاصر ـ هو: وصف حكم كبار الصحابة (أبي بكر وعمر وعثمان وعلي) بـ(الخلافة) الراشدة! فـ(الخلافة) تعني انتقال السلطة بالوراثة من سلف إلى خلف! وسلف تلك الحقبة هي حقبة رسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث تجمع الأمة على أن الأنبياء لا يورِّثون شيئًا دنيويًا، (وما محمد إلا رسولٌ)!
وكان الصحابة على وعي مدهش بذلك؛ فكان اللقب (الرسمي) الذي خلعوه على أولئك الأربعة العظام هو: (أمير المؤمنين)، وليس (الخليفة)؛ كما أصبح شائعًا في الأجيال التالية، التي كانت واعيةً بالفرق في البداية؛ فأطلقت لقب (الخليفة) على من جاء بعدهم، بدءًا من (معاوية بن أبي سفيان)، الذي تنازل له سيدنا (الحسن) عن (إمارة المؤمنين) ـ لا الخلافة ـ ليس حقنًا للدماء وحسب، وإنما اعترافًا منه ومن أنصاره بأن (معاوية) أقدر على إدارة أمور الدنيا!! وكان (الحسن) وليًا للعهد، ولكنه توفي قبل (الداهية) السياسي، الذي تمكن من تغيير نظام (إمارة المؤمنين) إلى نظام (الخلافة) العائلي، الذي تثبت الأحداث اليوم أنه الأنسب للمشرق الإسلامي على الأقل!
ولا غرابة أيضًا في اشتراك (الأزهر) في المؤامرة (الروسية)؛ وهو الذي أسسه (الفاطميون) خدمة لسياستهم الدنيوية البراجماتية ـ لا للمذهب الشيعي ـ فلما سقط حكمهم، صادف أن كل من جاء بعدهم كان محسوبًا على المذهب (السني)! وما زال هذا الصرح (العلمي) كالماء؛ يأخذ شكل الإناء السياسي الذي يغلب على مصر، (أم الدنيا) لا الدين!!
ولكن الغريب الغراب ـ إن وقع ـ هو أن يتأثر فقهاؤنا الأجلّاء أعضاء (هيئة كبار العلماء) بهذا (التآمر)؛ فهم جميعًا على مذاهب الأئمة الأربعة، الذين رفضوا (تسييس) علمهم، فمات (أبو حنيفة) في سجن (المنصور)؛ لأنه رفض منصب (قاضي القضاة)، وجُلد (مالك) وأهين؛ لأنه رفض أن يُعتمد اجتهاده مذهبًا (رسميًا) وحيدًا للدولة! وسُجن (أحمد) وكُفِّر، وظل (15) عامًا، يجُلد حتى يغمي عليه؛ لأنه خالف رأي (المأمون)!!
ومثل هذه (الغروزنيات) ليست ساحة للعلم، وإنما ملعب للسياسة السعودية الفذة، القائمة منذ تأسيس الدولة، على خدمة الدين لا استخدامه، حتى في الحج!!! نقلا عن مكة