رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

أميركا المرآة الجميلة والمحطمة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

البراغماتية والليبرالية، رغم العديد من الانتقادات التي توجه لهما، هما أفضل الحلول لحالة أميركا الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية ماذا قدمت أميركا من إسهامات فلسفية أسوة بالعالم الغربي المجاور والحليف؟ رغم حداثة القارة الأميركية مقارنة بالقارة الأوروبية، إلا أنه يُحسب للولايات المتحدة الأميركية تقديمها للعالم الفلسفة البراغماتية وهي الفلسفة الوحيدة التي ساهمت بها على يد فلاسفتها الكبار شارل بيرس ووليام جيمس وجون ديوي، والتي يُطلق عليها البعض «الفلسفة العَمَلانِيَّة» لكونها تهتم أساسا بالآثار العملية. وثيقة الاستقلال 1776 ‪(‬Act of Inde‪[‬endence‪)‬ والدستور الأميركي يؤكدان على حق الحياة والحرية والسعي وراء السعادة واحترام الفردية والديموقراطية وحرية الرأي والعقيدة والفكر والعلم. وعليه فقد زاوجت الوثيقة بين البراغماتية والليبرالية وارتبطت بالواقع الأميركي مبتعدة عن الدوغماتية الجامدة قدر ابتعادها عن النظريات والخيال التي لا علاقة لها بالواقع الأميركي، مشكّلةً بذلك مضمون الفلسفة الأميركية الحديثة. إن البراغماتية والليبرالية، في المشهد الأميركي، تتكاملان دون أن تذوب إحداهما في الأخرى لتكوّنا أبرز التوجهات الفكرية للثقافة الأميركية منذ استقلالها. هذا التمازج العملي-البراغماتي، الليبرالي- يؤكد النجاح الإنساني الذي يوازن بين الفرد والجماعة دون أن يضحي بأحدهما على حساب الآخر ودون أن يلغي العقيدة من أجل العقل ولا الأخير من أجل العقيدة. هذه النتيجة هي الأقرب إلى تطلع المواطن الأميركي الذي ينشد النجاح المادي مقروناً بالأمن الفردي. لقد وصل المجتمع الأميركي لهذه المكانة لأنه يحفل بالمحصلة العملية بدلاً من النظريات والمثل التي خدرت شعوب العالم الثالث. النجاح الذي تحقق في المشهد الأميركي ليس مصادفة بل هو نتاج عملي حقيقي مفاده أن البراغماتية والليبرالية، رغم العديد من الانتقادات التي توجه لهما، هما أفضل الحلول لحالة أميركا الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية وغيرها. الليبرالية والبراغماتية أو العلم والعمل تلتقيان فوق الأراضي الأميركية نتيجة تقاطعهما في العديد من النقاط على مستوى مبادئ العمل والفاعلية والحرية والانفتاح الاقتصادي والديموقراطية، وسط مجتمع أميركي متنوع الثقافات والعقائد واللغات والحضارات. لقد استطاعت هذه النظرية المتمازجة أن توفق بين فردية تحافظ على حرياتها مع الانفتاح على الجماعية والتي تعبر عن روح البلد. اقترنت البراغماتية الأميركية لدى الإنسان الأميركي وغير الأميركي بالنجاح الذي شهدته الولايات المتحدة الأميركية في ميادين التقنية والصناعة والعلم والسياسة والثقافة وغيرها. إنها المعنية بالفعل والأثر الذي يحدثه السلوك، وهي كذلك، منهج للكثرة الموجودة في الحياة والمؤدية إلى التعددية الفكرية في ارتباط وثيق بالأثر الذي تحدثه. وبقدر ما هي فلسفة إلا أنها منهج للبحث والعمل والفاعلية. وعلى قدر ما حققته الفلسفة الأميركية من نجاحات عظيمة في ميادين متعددة إلا أن هناك جانبا آخر مشروخا في المرآة الأميركية. فأميركا الازدهار الاجتماعي، هي نفسها ذات ملايين المُعدمين والمشردين دون حماية اجتماعية أو صحية قبل مشروع باراك أوباما الصحي! أميركا الاقتصاد والثقافة، هي ذاتها المعدل الأعلى في الجريمة والأعلى، نسبيا، في عدد المساجين (3.2 ملايين سجين 2008/ 2010) وبالأخص السود رغم أنهم أقلية! أميركا أرض الحرية تعتقل 250 مليون خلال 20 سنة ماضية (بحسب صحيفة وول ستريت أغسطس 2014)‪!‬ أميركا هارفارد وستانفورد وصروح العلم العديدة، عدد المعتقلات والسجون فيها يفوق عدد الجامعات والكليات. (بحسب واشنطن بوست)! حتى أوروبا الحليفة، لم تسلم من المنّة الأميركية عليها بأنها أنقذتها من دمار مؤكد لهم ولبلادهم، بل لوجودهم على ظهر البسيطة. بين أميركا النموذج المثالي في العلوم والتكنولجيا والقوة وحماية الحريات والحقوق، هناك أميركا نموذج بارز في العدوانية والعنصرية! مفارقات تسيطر على الحياة الأميركية. تلك الوضعية المرتبكة التي تلطخ صورة الولايات المتحدة الأميركية هل نرى لها تحولا إيجابيا جديدا، خصوصا بعدما عانت الأمرّين في اعتداءاتها العسكرية، هل ستعود وتمثل النموذج الإيجابي في الذهنية البشرية للإنسان الأميركي العملي المنتج المتحضر؟! نقلا عن الوطن

arrow up