رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

المواطن وفوبيا الفواتير

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

مشاعر الفزع يعيشها المواطن حينما يرده إشعار رسالة جوال تعلن عن وصول فاتورة، ينظر إليها بعين تذرف ويد ترجف وقلب يهتف «اللهم اجعلها برداً وسلاماً كفاتورة الماء». ذلك حينما كانت فاتورة الماء ناعمة تسكب الماء زلالاً على القلوب، إلا أنها جاءت «تطل فغلبت الكل». فأضحى المواطن يردد: إلى الماء يسعى من يغص بأكله/ فقل أين يسعى من يغص بماء!
في لقاء جمع بعض الزملاء الإعلاميين مع الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية وكبار مسؤوليها، تناول الحضور ما يشغل بال المواطن في جانب المياه. استبسل الضيوف لتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الفواتير والعدادات ومعالجة الشكاوى والتي أسماها أحدهم بـ«إدارة السخط». بكل شجاعة، اعترف المسؤول بوجود أخطاء ومنها 6000 حالة خطأ تتوزع بين أخطاء قارئ العداد، وأخطاء تسربات، وأخطاء العدادات الميكانيكية القديمة، والتي يتم الآن استبدالها بعدادات ذكية لا يمكنها احتساب الهواء كما هو الحال في العدادات السابقة، ولهذا تمت معالجة 650 مليون ريال العام المنصرم.
يوم اللقاء، حملت معي شكاوى بعض القراء والتي لخصتها في أربع صفحات، خرجت ببعض النقاط الإيجابية من المسؤولين، إلا أن المواطن البسيط، في نهاية الأمر، لا يهمه إلا تلك الفاتورة التي تصله، ولا يكترث لتلك التصاريح والخطط والإستراتيجيات المستقبلية. حقيقة، كنت من الناس الذين يبحثون عن حلول لوقف «الحرب الأهلية» على الكهرباء والماء من خلال سلوكنا الخاطئ تجاه تلك الثروة العظيمة.. كان من ضمن تلك الحلول، إعادة النظر في أسعار الماء لتخفيف إهدار هذه الطاقة المكلفة في بلد مهدد بالجفاف، لكوننا، للأسف، نشاهد سيولا تخرج من بيوت مضاءة كالملاعب الرياضية.
صحيح أن أسعار الماء، سابقا، كانت زهيدة جدا، ولا تتوافق مع معدلات المياه «الزهيدة» لدينا والتي يقابلها هدر مائي، غير أننا اليوم نجد أن تعرفة المياه انتقلت من التفريط إلى الإفراط. لقد قفزت الأسعار بطريقة مفجعة، مشكّلةً صدمات للمواطن الذي هو اليوم يغرق في فواتير المياه بعدما كان يغتسل بها لتخفيف حرارة الفواتير الأخرى والقروض والالتزامات المختلفة.
في تصريح سابق لولي العهد في مجلة بلومبيرج ذكر أنه في الوقت الذي طبق فيه قرار رفع أسعار البنزين والكهرباء بطريقة لا تؤثر على المواطن العادي، طبقت تعرفة المياه الجديدة بطريقة «غير مرضية»، وإذا كانت الدولة غير راضية عن طريقة رفع أسعار المياه، ومجلس الشورى يعلن أن تعرفة أسعار المياه الجديدة لم تمر على المجلس بتاتا، فكيف إذاً صدرت هذه التعرفة المفاجئة؟ هل يعقل أن هذا القرار صدر من غرفة اجتماعات خاصة دون أن يمر على جهات ذات ارتباط ولا على مراكز بحوث مستقلة؟
علينا إعادة النظر في تقييم فواتير المياه للمواطنين وجعلها متدرجة تتناسب مع مواردهم، وأغلبهم موظفون رواتبهم محدودة، ولديهم مصاريف أخرى غير المياه. لا يعقل أن يكون متقاعد ما براتب 4000 ريال يصرف ربعه على فاتورة ماء. فعلاً، هناك هدر للمياه.. هدر من قبل المواطن، وهدر من قبل الشبكة، وهدر المنشآت العامة والخاصة، غير أن هدر المواطن هو الأقل مقارنة بغيره. فلماذا إذاً نحمّل جيب المواطن البسيط مشاكل المياه وندع القطاع العام والتجاري والزراعي والصناعي والذي هو المسؤول الأكبر عن الهدر المائي في بلد فقير مائيا. أليس الأجدر الحد من النشاطات الزراعية المحلية التي تستنزف المياه الجوفية، وعلى رأسها إنتاج الحليب والألبان، أليس الأولى إيقاف تصدير المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان.
يتحدث بعض المسؤولين والكتاب عن استهلاك الفرد السعودي 300 لتر يوميا، بينما ينسى أو يتناسى أن إنتاج لتر واحد من الحليب يستهلك (500) لتر ماء، هي مياه شرب البقر واحتياجات التصنيع ومياه الأعلاف، ثم نحاسب البشر ونُغفل قطيع البقر!
أين قوانين الحفاظ على المياه من هذا الاستهلاك التجاري المرعب للمياه، فضلا عن المزارع الخاصة والاستراحات المترامية الأطراف ومؤسسات حفر الآبار المنتشرة في كل مكان، والتي تستنزف المياه دون رقيب.
يجب إنشاء مراكز أبحاث للماء، وإصدار أنظمة لحماية الموارد المائية، والبحث بصورة جدية لإيجاد بدائل للمياه المحلاة المكلفة وغير الآمنة، في نفس الوقت، وإعداد خزن إستراتيجي مائي لمواجهة الأزمات والكوارث، لا قدر الله.
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up