النزاهة والفساد بين الكاتب والمسؤول

كثيرا ما يسأل بعض أفراد المجتمع عن دور كتاب الرأي في طرح القضايا التي تهمهم في شتى مجالات حياتهم اليومية. وهذا سؤال مشروع، لأن من أبسط حقوق المواطن أن يوجه هذا السؤال «الانتقادي» لكل من يملك منصة إعلامية يسخّرها لخدمة الوطن وأهله. ومهما كتب الكاتب عن قضايا المواطن فإنه لا يعد كثيرا في حقه، لأن قضايا المواطن ومعاناته اليومية متجددة ولا تنتهي البتة.
الأمر غير المتصور أن يسأل نفس السؤال قيادي في قطاع ما «أين كتاب الرأي»، وكأنه يريد من كاتب الرأي أن يمجد قطاع معاليه، وإنجازات جهازه ليكسب أسهما إعلامية تُجيّر لصالحه عند المواطن وعند صانع القرار.
يبدو أن البعض لا يدرك أن الكاتب الصحفي والإعلامي النزيه ناقد وليس مداحا. الكاتب المخلص هو صوت الوطن والمواطن، وليس صوت المسؤول، لأن تطوير قطاع المسؤول وتحسين أداء جهازه، هو جزء من عمله المنوط على عاتقه الذي كلفه به ولي الأمر، دون أن يستشرف تلميعا إعلاميا.
بالتأكيد، فليس كل كاتب ناقدا، فهناك كاتب معلوماتي، وآخر كاتب في الشأن الثقافي، وثالث في الشأن السياسي، وغيرهم. وقد لا يتطرق بعضهم للشأن العام أو النقد المباشر، غير أن النقد، من وجهة نظري، هو الأصل في الكتابة الصحفية في جوانب متعددة، نقد الأداء الحكومي، ونقد الموروث، ونقد الأفكار والسلوك وخلافها.
حين يتوقف الكاتب عن النقد ويتحدث بأن الأمور طيبة وسليمة في المجتمع وفي الشارع وفي الأجهزة الحكومية، فقُل على الوطن والمواطن السلام.
يُنقل عن طه حسين قوله «وما قيمة الكاتب إذا لم يُغضب قرّاءه»، وقد أُضيف على هذه المقولة: «وما قيمة الكاتب إذا لم يُغضب قراءه ويغضب المسؤول». بالطبع فإن المسؤول المقصود هو الذي ينتظر تلميعا من الكاتب، غير أن هناك مسؤولا يرحب بالنقد البناء، ويتسع صدره له، لاعتقاده أن الناقد عينه البصيرة على مواقع الخلل في جهازه ومن ثمّ إصلاحها.
لهذا فإن كثيرا من الإصلاحات الإيجابية التي تمت في أغلب البلدان، سواء كانت إصلاحات مجتمعية أو وطنية أو حكومية وخلافها، كان سببها كاتبا ناقدا غيورا أغضب القراء والمسؤول قليلا، لكنه أسعدهم كثيرا -بالنظر إلى النتائج- وليس كاتبا مداحا أسعد القراء والمسؤول قليلا، لكنه خدّرهم كثيرا، ليكتشفوا أن قلمه غير نزيه.
نقلا عن الوطن