رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

لماذا نكتب عن حلب..؟!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هل أنّ شيئاً في حلب قد نَجا من الموتِ حتى يتسنّى للكتابةِ أن تُعيدَ الحياةَ إليه؟ لن تظفروا بإجابةٍ مُتعاليةٍ من الموت، ذلك أنّ الموتَ نفسَه يوشكُ وهو الحيّ أن يموتَ بلفظِ أنفاسه على ثرى حلبٍ من هولِ ما يشهده بين أنقاضها/ وفي أزقّتها..! ليس من موتٍ يقبضُ الأرواح ها هُنا بل هو «القتل» لمّا أن يتوحّش فيبسطُ يده في سبيلِ الحلبيين إذ يرميهم بشرر البرامل المدحوّة حِمماً تُمطرها السّحبُ «الروسية» على نحوٍ من وحشيّةٍ يشهدُها العالمُ -رأي العين- وكأنه يُزجي شيئاً من وقتِه في الفرجة على فيلمٍ هو مَن قد أسهمَ في كتابته والإخراج له..!
ومع كلّ هذه البشاعة التي يزخر بها «فيلم/ حلب» إلا أنّ ثمّة من لا يمر على مشاهدته مرور الكرام العابرين وحسب، بل ثمّة مَن يتسمّرون قبالته ويتلذذون برؤية المشاهد كلّها وعن كثبٍ دون أدنى مشاعرٍ من تأنيب، ذلك أنّه إزاء المشهد «السوري» يُفتقد الضمير!! بحسبان الضّحايا ليسوا من ذوي الجنسية الأمريكية ولا الأوروبية!
مِن حين أن نلوذَ -يا حلب- بالصمت -ونكفُّ تالياً عن الكتابة- فلأننا لم نتأهل بعْد لأن نقول الذي يليق بك/ ويجب علينا! فأيّ حبرٍ ولو كان كمداد البحر أهرقناهُ في سبيل الكتابة عنكِ – يا حلب – فلن يعدلَ قدر طفلٍ قضى نحبه وهو يتشحّط بدمه – الزكي – تحت ركامٍ من أنقاضٍ صارت له قبراً..! وأيّ معنى للاعتذار ونحن أعجز من أن نقول لقتلة «لا»!؟
والحال كما ترين.. فما عُدت أدري أيُّ شيءٍ ينبغي لنا أن نفعله؟! هل نلطم ونجترح شتمَ أنفسنا!؟ أم نكتفي بصبّ صواعق مرسلة من اللعنات على كلّ من كان سبباً في الذي يُجترح بحقك!؟ لربما أنه ليسَ في وسعنا غير أن نكتسي السواد/ وننتقب ونحيي ليلنا ما بين النّوح والترحم على قتلاكِ!! إذ ليس من شأن «المجتمع الدولي» بعد أن ختم على قلوبنا أن يُنصتَ ليُصغي لنا! ومنذُ متى سجّلوا ولو لمرةٍ واحدةٍ انحيازاً للمستضعفين في الأرض!! بئس الناس نحن في حساباتهم حيث لم نبلغ للتوِّ مواصفات «إنسانهم» لنحظى بشيءٍ من معايير «حقوقه»!!
إيهٍ يا حلب التي قد كانت قبلاً مبتدأً تضجّ بالحياة طولاً وعرضاً بوصفها الروح التي تخفقُ على وقع نبضها كلّ الأشياء التي تشي بالسعادة/ والحبور، فكان خبرُ زهْوها مِلءَ سمعِ الدنيا وبصرها ها أنتِ – اليوم – وبامتيازٍ عربيٍّ غير مسبوق قد استحلت ماضياً كئيباً/ ومدينة أشباحٍ امتزجت فيها رائحة الدم والموت.. هكذا إذن شاءَ «العربُ» بمحضِ هَوانهم على الناس جميعاً يوم أن رضوا بأن يكونوا مع «الخوالف» من الذين لا شُغل لهم غير التسوّل لـ «حقوقهم» إذ مضوا – بمنتهى الاستخذاء – خاضعةً رقابهم وهم يطوفون بالبيت الأبيض ويسعونَ مِن عتبةٍ دولةٍ كبرى لأعتاب دولةٍ أخرى ليعودا حفاةً دون خِفاف!! ذلك أنّ الجميع ما باتوا يُعيرونهم أيّ اهتمام أو يأبهون لأوضاعهم..! ولطالما أوصدوا باب «أممهم المتحدة» في وجوههم – الكالحة – آية أخرى على أنّه ما ثَمَ من أحد أضحى يعترف بإنسانيّتهم أو يحتفل بشخوصهم…! فأيّ شيءٍ بعد كلّ هذا – يا حلب – تأملينه غيرَ أن تكوني أيقونة/ علامةً فارقةً لخزيٍ عالميٍّ ما برحَ – هو الآخر – يُطبطُ على متنِ براميل «الموت» المتفجرة ثُمّ لا يفتأ يُصمّ آذاننا باحتفاليّة اليوم العالمي لـ «حقوق الإنسان»! ثُمّ لا يلبث أن يسحق بقدمه ما تبقّى من الأشلاء المختلطةِ بأتربة الأنقاض!
الصمتُ إذن كانَ عنواناً مجملاً لِخُذلانٍ لا يُحسنُ العربيُّ أن يخطّ بيده سواه على نحوٍ من كتابةٍ مرتعشةٍ/ ومأزومةٍ في كلّ أسطرها..! في حين تركنا لـ «الغرب» المساحة كلّها ليكتبَ تفاصيل الأخبارِ على النحو الذي يتأكّد للناس كلهم بأنّ العالمَ كلّه قد تآمر على حلب!!
وحيثما كانَ الصمتُ فثَمَّ مدينة «عربيةٌ» تنتظرُ دورها في طابور «الاحتراق»! ذلك أنّ النيران التي أتت كل المدن العراقية فالتهمتها الواحدة تلو الأخرى وانتقل أوارها اشتعالاً ليطال المدنَ في ليبيا وفي اليمن وهو لم ينطفئ بعد وليس هو بالذي يودّ أن تخمد نيرانه حتى يأتي على مُدننا كلّها وَفقَ ما كان مُعدّاً سلفاً! فما بالكم تستعجلون احتراقكم يا مَن لا شأنَ يشغلكم غير «التّفرج» صامتين تارةً/ وتارةً أخرى ترتفع أصواتكم خصومة فيما بينكم!! ومَن كانَ في مثلِ حالكم فإنه من السّفهِ أن يلومَ روسيا و(يشره) على «أمريكا» أو أن يمطّ لسانه العربيَّ المبين فيلعن «بشاراً» سبعين لعنةً حتى يَصِلَها بـ «داعش» ويُثنّي بـ «الفصائل المقاتلة».!! كفوا عن هذا العبث ولا تلوموهم ولوموا أنفسَكم فلأنتم أحقُّ بذلك وأولى بلعناتكم!! وأيّا ما يكن الأمر… فإنّ مَن لم يمتْ في حلب ماتَ على قارعة طريقِ التّهجير شرّ ميتةٍ، أو أن يلقى حتفَهُ بأشنع ما تكون عليه صور الموت حيث أقبية سجون النظام ومجرميه!!
يمنّون عليك – يا حلب – أن كتبوا عن مأساتِك سطراً أو أن نشروا خبراً عن تدميرك أو أن اختصوكِ بدعواتٍ باردةٍ من قلبٍ غافل ساهٍ! قُل لا تمنّوا على حلب «شجبَكم» أو «استنكاركم»، بل حلب هي من تمنُّ عليكم أن أسفرَتْ لكم عن حقيقةَ ما أنتم عليه وإلى أينَ سيكون منتهى مطاف «مُدنكم»، ذلك أنّ حلب لن تكون هي الأخيرة! وستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري إلى الله!
ولئن كان لكلّ عصرٍ «تيمور لنكه» فإنّ المغول يعودون ثانيةً إلى حلب وبوحشيّةٍ لم يعرف التاريخُ لها مثيلاً، فإني أتساءل في أيّ المرتين نحن من اجتلب «العدو» إلى أرضنا؟ وإلى أيّ مدى هيأنا لهم السبل في سحقنا والإزراء بنا ونهب خيراتنا؟! وهل أنّ ثمة «طابوراً خامساً» قد اضطلع بهذه المهمة بالإنابة عنّا؟!
نقلا عن "الشرق"

arrow up