رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

ما لا يمكن إغفاله في الحوار

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كثير منا يخلط بين مفهوم التشاور والتحاور، فحيث يكون التشاور تكون هناك قضايا متفق عليها بين أطراف يجمعهم توجّه معين، وبالتالي هم يريدون فقط التشاور فيما هو أنسب من عدة خيارات. أما التحاور فهو غالبا يكون في نقاش أمور مختلف عليها بين الأطراف المتحاورة، من جهة الرؤى والمواقف والتجاهات الفكرية. معرفة كيفية التحاور في حال الاختلاف، وكيفية التشاور في حال الاتفاق من الأهمية بمكان، لتحقيق قدر كبير من النتائج في حياتنا الشخصية والعملية. حينما يغيب أدب الحوار عن الحوار، ويحضر بدلا منه الزعيق والشجار، وتنقلب الطاولة إلى إملاءات وإقصاءات وشخصنة ووصايات مفروضة، فإن الحالة هنا تكون فشلا ذريعا لهبوطه عن أدب الحوار إلى أحكام مسبقة تعصف بأجواء المكان، وتُذهب إمكان التفاهم إلى استحالة الالتقاء. إن النتيجة المسبقة لهذه الأنماط الحوارية المفتقدة أبجديات النقاش الهادف، والغائب عنها أصول وقواعد الاحترام الشخصي والفكري، مؤداها إلى الدرك الأسفل من الفشل، وربما أضافت أبعادا جديدة للقضية ذاتها محل الحوار. وإذا كان «اختلاف الرأي هو صوت الحرية»، فإنه من البدهي بمكان أن يكون الحوار في جو يسع حرية الرأي لكونه في قضايا مختلفة، بخلاف التشاور الذي يكون في قضايا مؤتلفة. ومن أسباب نجاح الحوار، حفظ الموضوعية في جو من الهدوء، وتهيئة كل الجوانب المتعلقة بالاحترام الشخصي والفكري للطرف المتحاور، دون تجريح شخصي أو اتهامات مرسلة. «الصراخ ليس وجهة نظر»، مثل إنجليزي غاية في الروعة، إذ إن الدعاوى الواهنة لا يقويها الضجيج، والكلام المفتقِد المنطق لا يمكن للصوت العالي أن يدبجّه بديباجة القبول. من المتوقع نجاح الحوار أو على الأقل تحقيق نقاط للالتقاء لغرض السعي إلى تنميتها والتفاهم حولها، إذا كان الهدف بعيدا عن الترويج الشخصي والتنقص من الآخر، والتسويق الدعائي الفج وقريبا من العقلانية والتسامح والمصداقية. ومن عوامل الرقي الشخصي في ملتقى النقاش، أن تطلب من نفسك للآخر ما تطلبه لنفسك، بمعنى أن تعامل الآخر بما تطلبه منه لذاتك من حسن الإصغاء وحسن الرد وحفظ النفس واللسان، وحسن البيان والتحلي بالذكاء العاطفي، أو ما يسمى «إدارة الانفعالات». إن غاية سمو الخلُق، التجمل بالقدرة على التراجع والإقرار بالخطأ، والأسمى من ذلك الدفاع عن حقوق المخالف الشخصية والفكرية. وكما سبق، فإن صوت الحرية يتجلى في اختلاف الرأي كظاهرة صحية تدل على التعددية الثقافية والفكرية التي تواكب المد العصري، ليعبر الجميع عن أنفسهم في عصر ارتفاع سقف الشفافية واحترام الآخر والسماوات المفتوحة، الأمر الذي يدعونا جميعا إلى احترام وتقدير حق الحرية في الاختلاف والاعتقاد، وكذلك الاختيار وحق الشراكة في اتخاذ القرار. إن الاختلاف طابع الكون وطبيعة الحياة، ومن هنا تتعدد الهيئات واللسانيات والألوان وتتمايز الفصول والأصول، وتتعدد معالم البشر والطبيعة، وتختلف الأجناس والشعوب والمعارف والثقافات، مما يدفع حركة الحياة للتفاعل نحو التكامل والنمو والتقدم والاستمرارية. إن الإطار الأوحد المنظم للحياة هو «الائتلاف رغم الاختلاف»، وبين أضلاعه تنتظم كل العناصر المتباينة بهيئة التفاعل والتكامل، مما يضفي لوحة تشكيلية رائعة جراء تعدد الألوان، ويجعل من تعدد الأصوات سيمفونية متناغمة. الحوار المتواصل، وبلا توقف بين المكونات المختلفة، هو جزء من تكوين الطبيعة السليمة، ما لم تنحرف لغة الحوار الشفهي إلى شظايا لفظية تتطور إلى شجار تكون لغته الضرب، أو حرب تكون لغته الحديد والنار، حينها تتوقف لغة الحوار الأولى وتنتقل إلى اللغة الثانية وهي الاعتداء ومحاولة تصفية الآخر. وإذ إن لغة السلام هي لغة الشعوب حين تكون بمنأى عن سماسرة الحروب الفكرية والميدانية، فإن الحوار هو الحل الوحيد لرفع الجهل الشائك بأنفسنا والجهل بالآخر ­شريكنا في الحياة، بعيدا عن صدام الأيديولوجيات والثقافات والحضارات المختلفة. نقلا عن الوطن

arrow up