رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

الجود من الموجود

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ونحن في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل، تذكرت موقفاً إنسانياً نبيلاً، ووجدت أنه من المناسب لو ذكرته. فيقال إن هناك شيخاً من مشايخ قبيلة جهينة بالسعودية هو سعد بن دغيّم، رجاه بعض جماعته أن يطلب التماساً من الملك عبد العزيز - رحمه الله - لإطلاق سجين منهم، فوافق وذهب إلى مجلس الملك، وكان من عادة الملك أن يطلب من كل من يتكلم معه، أن يرفع صوته لكي يسمعه كل من في المجلس، ويبدو أن الشيخ من رهبة الموقف نسي اسم ذلك السجين، فما كان منه إلا أن تواتيه الشجاعة ويلهمه الله، وإذا به يطلب بإطلاق كل المساجين. فقال له الملك بما معناه: في العادة يأتي أحدهم ليطلب الشفاعة بأحد معارفه، ولأول مرّة تأتي أنت لتطلب الشفاعة للجميع ولكل من تعرف ولا تعرف. وتوقع الجميع أن يؤنبه أو على الأقل أن يرفض طلبه، لكنهم فوجئوا به يقول له بصوت مرتفع: إنني قدّرت موقفك النبيل هذا ولن أردك خائباً، وأمر على الفور بإطلاق السجناء جميعاً، وأشهد على ذلك كل الحضور. وقد حصلت تلك الحادثة في العشر الأواخر من شهر رمضان، ومن تلك السنة حتى الآن أصبح ذلك تقليداً والتزاماً يتكرر في تلك المناسبة، وفوق ذلك تنازل الدولة عن الحق العام لكل سجين يتم إطلاقه. ومن ضمن المواقف التي تستحق أن تذكر أيضاً، أن السعودية إبان الحرب العالمية الثانية مرّت بضائقة اقتصادية ككل دول العالم، وانعكس ذلك على معيشة المواطنين، وأمر الملك بإنشاء مبرّة لمساعدة كل محتاج لسد رمقه على الأقل، وبعث لي أحدهم بصورة لأمر أحدهم وهو مؤرخ في 15-4-1363 هجرية – الموافق 1944، وجاء في القسيمة رقم 489: يصرف للمواطن حمزة دوش، الساكن في محلّة سوق الليل: عدد رغيفين عيش لا غير. وكتب في نهاية الورقة، تنبيه: لا يُسلّم الخبز إلا لصاحب الاسم من دون غيره. قد يستهين أحدهم برغيفين عيش، لكنه سوف يبلع لسانه ويخرس، لو أنه عرف أن الرغيف الواحد في ذلك الزمن وفي تلك الظروف يساوي الحفاظ على الحياة، ومعذور هو الآن من أن يسترخص رغيف الخبز، عندما يشاهد حاويات الزبالة وقد امتلأت بآلاف أرغفة الخبز التي رماها بعض من أعماهم البطر عن شكر الله على النعمة التي شمل بها البلاد والعباد. لدينا مثل أحترمه جداً وهو: الجود من الموجود.
نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up