الصدمة

الحواس الخمس نعمة الله الكبرى التي منحها للإنسان، وتأتي على رأسها حاسة البصر. وحديثنا اليوم عن تلك الحاسة التي ذكرتها، وقرأت عن رجل أميركي اسمه رَسل كريدل، فقد بصره عندما كان طفلاً صغيراً يلعب مع أقرانه في الثلج، فقذفه أحدهم بكرة من الثلج أصابت عينه اليسرى فالتهبت، وسرى الالتهاب إلى اليمنى وبعد فترة أصبح أعمى، وكان ذلك في عام 1945. وأدخله والده مدرسة للمكفوفين، وتعلم طريقة (برايل) في القراءة، وتدرج في مراحل الدراسة إلى أن أتم المرحلة الثانوية. بعدها طلب من والده أن يلحقه بعمل، ولكنه فشل من عمل إلى عمل بسبب عاهته، وتعقدت حياته وأصيب باكتئاب، وعطفاً من والده عليه، أقرضه بعض المال، فاشترى مزرعة ثم ابتاع بعض الأبقار، وبقي فيها وحيداً، ويقول: عرفت مكان كل حجر في هذه المزرعة من كثرة عثراتي حيث مشيت، ولكني تعودت ذلك وكثرت الندوب في ساقي من كثرة العثرات، فجعلت حصاني دليلي في المزرعة، ولا أدري كيف نجحت في إدارتها. غير أن والدته جاءته ذات يوم وأخبرته أنها قرأت عن مركز للعيون أنشئ في نيويورك حديثاً، وقد سجلت اسمه لإجراء زراعة قرنية له، ووافقها بحماس على ذلك، ويقول: عندما دعيت إلى المدينة لإجراء الجراحة كنت أخزن وقتها الدريس، وجاءت خطيبتي نونا، ولم نكن قد تزوجنا بعد، وما كان لي أن أتزوجها، وأنا أعمى – رغم موافقتها وإلحاحها. وعندما اقتربت ساعة الصفر، أصبت بخوف عظيم، ليس من إجراء العملية، ولكن خوفاً من أن تتغير عاطفتي نحو نونا، إن لم تكن مثلما أنا أتصور. وأجريت العملية ونجحت، وبعد أسبوع أزالوا الضمادات من على عيني، وكاد النور الفجائي يذهب بعقلي، وبعدها شاهدت وجه الطبيب لأول مرة، فأخذت لا شعورياً أنادي على نونا أريد أن أراها، وعندما رأيتها شكرت ربي، فوجدتها أجمل مما كنت أتوهم. وبعد شهر تم زواجهما - انتهى. وهناك بون شاسع بينهما وبين ما شاهدته وأنا أسير في أحد شوارع روما، عندما تأملت شاباً أعمى طويلاً ووسيماً، ممسكاً عصاه البيضاء بيده اليمنى، ومتعلقة بيده اليسرى زوجته القبيحة البدينة القصيرة – يعني باختصار شمبانزي مصورة، ومعهما طفلتهما ذات العشرة أعوام، وهي تشبه والدتها (كوبي) الخالق الناطق. وتخيلت لو أن ذلك الزوج قد أجريت له عملية ونجحت، كيف تكون نظرته لزوجته، ولا أقول كيف تكون صدمته؟!
نقلا عن الشرق الأوسط