رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالرحمن الراشد
عبدالرحمن الراشد

عدو ترمب الأول

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ذات مرة قال الكاتب المسرحي برنارد شو «لقد أدركت منذ زمن بعيد ألا أدخل في خصومة مع الإعلام٬ فهي مثل مطارحة الخنزير٬ معه ستتسخ إن فزت أو خسرت٬ مع اعتذاري لزملائي في المهنة».
الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو أفضل من خدع الإعلام واستخدمه لنحو عام٬ وذلك في فترة الانتخابات. كان ترمب الموضوع المفضل لهم٬ لأنه مرشح خارج المألوف٬ ولم يلتزم بقواعد المنافسة التقليدية٬ ولديه جاذبية شعبية كبيرة٬ ولا يبالي كثي ًرا برأي المثقفين فيه. ولا شك أن ترمب صعد على أكتاف الإعلام وبأرخص ثمن٬ واحتل شاشات التلفزيون مجانًا٬ التي كانت تتسابق على تقديمه من باب كسب المشاهدين.
وفي الوقت الذي أنفقت منافسته هيلاري كلينتون أكثر من مليار دولار على الإعلام فإن ترمب٬ وحتى سبتمبر (أيلول) الماضي٬ لم يكن قد سدد إلا مبلغا صغيرا جدًا٬ ومع هذا كان حضوره في الإعلام طاغيًا. ولا أعتقد أن أحدًا من كبار المخططين الإعلاميين كان يتصور أن حظ ترمب يمكن أن يوصله إلى المراحل الأخيرة٬ وكان من المستبعد تما ًما أن يفوز بالرئاسة. هذا التقليل من شأن ترمب جعل خصومه٬ من موالي الحزب الديمقراطي٬ مثل الـ«سي إن إن»٬ يفتحون له مايكروفوناتهم بشكل غير مسبوق٬ ويدللونه كجزء من الترفيه وليس من المحاباة أو الترويج له. وعندما بقي على الانتخابات بضعة أسابيع٬ وبدأ الجميع يدرك أنه صار واحدًا من اثنين فقط سيفوز بالرئاسة٬ انقلبت وسائل الإعلام الموالية للديمقراطيين ضده٬ لكن الوقت كان متأخ ًرا٬ حيث بنى اسمه٬ وبرنامجه٬ وشعبيته٬ وصار له أتباعه٬ وهو السياسي الطارئ!
بفوز ترمب انتهت المنافسة الانتخابية لكن يبدو أن الحرب الإعلامية الآن بدأت. والإعلاميون يدركون جيدًا أن الرئيس هدف سهل كونه في موقع المسؤولية الأول٬ ولا بد أن ترتكب إدارته أخطاء٬ وقصو ًرا٬ وستعجز أحيانًا عن تلبية وعودها٬ أو تقع أحداث ضده خارج سلطة نفوذه٬ وغيرها من الاحتمالات والإحراجات التي لا نهاية لها وستزودهم بالذخيرة اللازمة لإضعافه. سيتعب ترمب٬ الرجل الذي يبدو مثل مصارعي الرومان الأشداء لأنه كما قال «شو» لا يمكن لصاحب الشأن العام أن يفوز على وسائل الإعلام التي تعتبر النقد وظيفتها ومصدر قوتها.
وفي بلد كالولايات المتحدة٬ دستوره ينص صراحة على صون التعبير مهما كان هدفه وأسلوبه٬ لا يستطيع الرئيس أن يفعل الكثير للجم الإعلام المعادي له. والمعادون له يبدو أنهم نسبة كبيرة٬ وسيزدادون شراسة في هجومهم على ترمب أكثر مما فعلوا مع الرئيس السابق باراك أوباما٬ الذي تمتع بعلاقة جيدة مع وسائل الإعلام. أوباما نجح في تطويع معظم الإعلام لصالحه٬ رغم أنه أكثر رئيس أميركي عنده حساسية من النقد والإعلاميين٬ ويقال أيضا إنه أكثر رئيس عاقب الصحافيين بحرمان من كان يختلف معه٬ أو ينتقده٬ من المشاركة في تغطية نشاطاته ورحلاته.
مشكلة ترمب في شخصيته٬ عدا عن أنه انفعالي٬ فهو يحب المواجهة ويعتقد أنها سلاحه في تربية الصحافيين٬ وهذه سترهقه وستكلفه الكثير في السنوات المقبلة٬ وقد تدمره.
خصومه الديمقراطيون يملكون قوى شعبية نافذة في المجتمع٬ ولهم حظوة عند الإعلام٬ الذي في معظمه من التيار الليبرالي المحسوب عليهم. تتبعهم جمعيات المرأة٬ والأقليات٬ والمثليون٬ والمقعدون٬ والقائمة طويلة من تنظيمات غنية بالأتباع والأموال والمؤسسات التي ستشغل ترمب خلال السنوات الأربع المقبلة بالاحتجاجات٬ وستستخدم سلاح الإعلام الشعبي والنوعي ضده على نطاق واسع.
لهذا فإن التهديد الذي وجهه الرئيس ترمب علانية ضد الصحافيين قبل أيام مجرد كلام٬ يعبر عن حالة غضب وإحباط من هجوم الإعلام عليه. يستطيع أن يصرخ في وجوههم لكنه فعليًا لا يستطيع أن يفعل كثيرا ضدهم سوى حرمان من لا يحبه من مرافقته أو من إغلاق صنبور المعلومات الخاصة عنه. وقد يتراجع ويقبل بالوسيلة الوحيدة مع الإعلام المتنمر٬ بالتعايش معه ضمن علاقة بطيئة وطويلة٬ أو بالصبر عليه.
نقلا عن "الشرق الأوسط"

arrow up