رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد المزيني
محمد المزيني

من قتل «أروى»؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

إن لم يكن التعليم.. إن لم تكن التربية.. إن لم تكن الحال النفسية مجتمعة قتلت أروى البغدادي فمن يكون قاتلها إذن؟ هل هم الإخوان أم القاعدة؟ المرأة التي فكّرت بملء إرادتها في أن تموت معتذرة إلى أمها قائلة: «إلى أمي الحبيبة اعذريني ولا تبكي عليّ، فإني تركت الأموات من قومي وأصبحت بين أحياء أمتي». كانت مستسلمة لكل احتمالات القدر الذي خطت طريقها إليه بعناد، حتى جاءها يزف إليها الموت بإنزال جوي أميركي، مختطفاً روحها مع بقية من كان معها من أسرتها.
لنتذكر، قليلاً معاً، تفاصيل موجزة من قصة أروى، التي تبدأ من تورطها في «القاعدة»، ثم إيداعها السجن في 2010، لتخرج منه منتصف 2012 فتجد من يتواطأ معها ويهربها إلى اليمن بداية 2013، وما بين هذه الأحداث ثمّ سطور يجب ألّا ننساها أو نتغافل عنها أو نمررها مرور الكرام، حتى نفهم ما وضع في كفتي الميزان، كي لا نبدو أمام مرآة التاريخ سذّجاً، لنقرأها جيداً ونتمعن في من ثوّر في قلبها وروحها بطولتها المزعومة، حتى استشعرت هذا قولاً وعملاً ورفعت صوتها مغردة بتحدٍّ، قائلة: «تغريدات الرصاص هي لغتي وثأري لأخواتي بإذن الله»، ففي رأيكم، كيف نفسر تلك المواقف التي وقفت إلى صفها وآزرتها علناً؟ ثم كيف نفهم تغريدة الدكتور صاحب أسئلة الثورة المتفاعل معها في الـ27 من حزيران (يونيو) 2012، قائلاً: «أروى البغدادي سجينة ربّت طفلها بعمر سنة داخل السجن، وستلد الثاني داخله.. أين القلوب؟».
هذه العبارات المختصرة تعني في رمزيتها استشعار الاعتقال بمثابة دلالة على الحراك والتغيير الذي بدأت أفكاره وثقافته تنمو وتتسع داخل مجتمعاتنا، التي كانت قبلاً مهادنة مسالمة، إلا أنها مع بدايات المد الصحوي الإخواني وارتباطهم به باتت تأخذ منحىً مغايراً لطبيعة المجتمع، الذي تحول بفعل الجلبة، التي اقتيد إليها مجتمعا، متأزماً وعدوانياً مع نفسه وغيره، فحضور أدبيات الاعتقال لتعزيز المواقف الندية واستنهاض همة المريدين للمواجهة أسّس لقابلية مفرطة نحوه، وهذا ما أكده الشريك الآخر لمحرري مذكرة النصيحة صاحب قناة الفتنة، الذي تفاعل مع قضية أروى السجينة، مفرداً لها حلقة كاملة، حقنها كعادته بألوان الأكاذيب والأقاصيص الباطلة، فهو لا يرى في السجن إلا وجها من أوجه الثورة لتنطلق منها عمليات الكر والفر، الرؤية هنا لا تختلف بين هذا وذاك، فالاختلاف فقط في الأدوات والتمرحل وفْقها، فالإرهابي المثالي هو ذاك الذي لا يحمل بين جوانحه سوى تعطشه للموت، الذي جاء من خلفية اجتماعية تربوية وثقافية محددة لا تؤهله للقيادة، ليظل مادة أساسية لنوازع التسيد والقيادة والإمارة بيدقاً على «رقعة الشطرنج» للاعبين كبار، فما أن يصل أحدهم إلى سدة المشهد الجماهيري، حتى تتسع لديه الطموحات في أن يكون ذات يوما على عرش السيادة، حتى لو أدى ذلك إلى إحراق جثث أبرياء سذج مغشوشين بقادتهم، فهل في رأيكم غفل دعاة إطلاق سراح أروى وغيرها عما ينتظرهم؟ لا أظن فمن يدعي الدراية والحنكة ومعرفة دهاليز الحراك الإرهابي لا تفوته هذه، فكم من موقوف أخرج بعد مناشدة وفر بعدها إلى اليمن أو العراق ليلقى حتفه المشؤوم هناك. في هذا السياق برأيكم كيف نفهم حرصهم الشديد على تخليص سجناء الإرهاب من مراكز التحفظ (السجون)، فلو كانوا أبناءهم هل سيسعون إلى ذلك. المسألة إذن ليس لها علاقة بالإنسانية أو حتى العمل الديني المحض، فلو كان ذاك كذلك لكفتهم مؤونة التقرب إلى الله قضايا أناس - رجال ونساء - مايزالون عالقين في السجون مغبة ديون وقضايا لم تكن تستحق منهم سوى تحريك قليل من أرصدتهم الضخمة التي أسكنتهم القصور وأسست لهم القنوات لتحريرهم من ربقة الأسر، وبما أنها ليست كذلك ففي رأيكم ماذا عساها تكون سوى أنها عقيدة مؤدلجة وفق أهواء ومصالح شخصية، هدفها تقويض أمن الدول واستقرار شعوبها، لفتح فجوات يستطيعون من خلالها زعزعة ثقة شعوب دول الخليج بقياداتهم، من أجل الوصول إلى «قمرة» القيادة والتحكم، ولهم من أجل تحقيق ذلك وجهان:
أحدهما نفث سموم الأفكار في عقول شبابنا، وثانيهما: الاستملاس والبشاشة وتلميع الواجهة لمن عجزوا عن اختراقهم، هذان الوجهان «القميئان» هما من قتل أروى وغيرها، وهو من يمهد لقتل آخرين من شبابنا عبثت بهم لوثات الجهل، والعجب كل العجب أن يظل هؤلاء متمتعين بالوجاهة والمال والمنابر، فصاحب أسئلة الثورة ذو القلب الرحيم يحتجّ على الدولة أن أوقفت أروى، فهل انتابه تأنيب ضمير على قتلها وبعض ذويها، ووزارة الداخلية أيضاً، يلحقها جزء من هذا التأنيب، لأنها سمحت لهؤلاء بالسعي لإجراء الوساطات لإخراجهم، وهي التي خبرت بتجاربها أهمية إيقافهم منعاً لهم من إلحاق الضرر بأنفسهم وبغيرهم، هل تريدون أن نعود إلى شهادة هيلة القصير، وهي رفيقة أروى البغدادي، بعد يقظتها الأخيرة وفهمها الدرس جيداً يوم نطقت قائلة: «كل من كان يصفق لي ويشجعني من (القاعدة) تخلى عني، ولم يتبق معي إلا أهلي الذين وقفوا ضدي وناصحوني كثيراً، ولكن للأسف لم أتعظ، مشبهة طريق القاعدة بالمخدرات، إن لم يكن أشد، فالمعتقد صعب مواجهته مقارنة بالعلة الجسدية».
لقد حيد إيقافهم فتنتهم وفتنة غيرهم بهم، السجن الذي يعلم «خَدِين» مؤتمر النهضة وغيره أنه أرحم من سجون العالم، حتى وصفه بعضهم بأنه دار ضيافة، مقارنة بالسجون الأخرى، فزنزانة هيلة القصير كما صورتها لنا صحيفة محلية في حوار أجرته معها أخيراً تصل إلى حد الرفاهية، ومع ذلك يظل السجن هو السجن لا يساوي أمام حرية الإنسان شيئاً، إلا أنه أرحم مما كانوا يدعونها إليه ويعجلون بخروجها منه لتحقيقه، ماذا لو اتجه دعاة الفتنة والثورة إلى توجيه الشباب إلى حقول المعرفة والعلم ليصبحوا نماذج مشرفة نستطيع معهم وبهم أن نتمرحل في سلم النهضة الشامل؟ نقلا عن الحياة

arrow up