رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

يا لطيف الطف

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أخذني أحد الزملاء معه في سيارته في رحلة من باريس٬ ووجهتنا (نيس وكان)٬ وربما حدفنا على (موناكو) أيضا.
وبعد أن قطعنا مسافة سألني: ما رأيك أن نحود على (أفيرون) فهي غير بعيدة عنا٬ لكي أريك مصدر جبن (روكفور) ووافقته٬ وأثناء سيرنا تذكرت الصحافي الراحل (مصطفى أمين) عندما سجنه عبد الناصر لعدة سنوات٬ وطلب هو من حسنين هيكل أن يتوسط له عند عبد الناصر٬ لا لكي يطلق سراحه٬ ولكن فقط ليحضروا له جبنة روكفور٬ لأنه مدمن على أكلها.
وهي بالمناسبة من أعفن الأطعمة رائحة٬ ولا أدخل إلى سوبر ماركت في فرنسا إلاّ وأسد أنفي عندما أمر على قسم الأجبان بسبب رائحة ذلك الجبن التي تعصف بالمكان.
وتقول الأسطورة إن هذا العفن اكتشف قبل مئات السنين عندما ولج راع شاب فجوة بين الصخور ليتناول طعاما بسيطا من الخبز والجبن٬ وإذا براعية فاتنة مقبلة نحوه٬ فهجر الراعي طعامه وقطيعه وتبعها٬ وبعد أيام عاد باحثًا عن الطعام الذي تركه هناك فذهل؛ إذ رأى أن قطعة الجبن التي كانت فوق الرغيف تبقعت بالعفن الأخضر٬ ودفعه الجوع الشديد إلى تناول ذلك الطعام فوجده لذيذًا٬ وسرعان ما أخذ سكان الوادي يحضرون الخبز والجبن إلى منطقة الصخور المنهارة٬ وعندما شاع أمر الجبن الجديد قامت صناعة متواضعة لتلبية الطلب.
وغدا جبن روكفور طعاما مستساغا لدى الملوك في القرون الوسطى الذين استطابوا نكهته المميزة٬ وفي عام 1666 أصدر برلمان تولوز قانونًا يفرض غرامة على كل من يبيع جبنًا تحت اسم (روكفور)٬ إذا لم يكن ذلك الجبن مصنوعا حقا في تلك القرية.
وهناك أجبان زرقاء تصنع من حليب البقر الرخيص٬ أما جبن روكفور الأخضر المفضل فيصنع من لبن النعاج الغني بالدسم٬ فإنتاج البقرة الواحدة من الحليب يوازي إنتاج 20 نعجة.
وهناك اليوم أكثر من مليون وخمسمائة ألف نعجة تنتج الحليب لهذا الجبن العفن والغالي.
سبحان الله٬ فقد يستسيغ بعض الناس طعم ورائحة بعض الأشياء ولا يستسيغها آخرون٬ فلدينا مثلاً في نجد (المحيزرة أو الجلا) ­ وهو نوع من اللحم المقدد ­ رائحته (تصرع الطير الحايم) ­ ومع ذلك يأكلونه٬ مثلما يأكل إخواننا في مصر (الفسيخ) الزكي الرائحة٬ أما عن بعض روائح مأكولات شعوب آسيا وأفريقيا (فيا سلام سلم) وحدث ولا حرج.
وإنني أسألكم بالله: من هو الذي يستسيغ مذاق قهوتنا المّرة من الأوروبيين مثلاً ولا تتحاول عيناه٬ وأكثرهم يبتسمون مجاملين ويهزون رؤوسهم إعجابًا وهم كذابون.
ومرارة قهوتنا تهون ألف مرة عن مرارة (البيرة)٬ التي يقبل على شربها (المهابيل) مثلما تقبل البهائم العطشى على مورد الماء ­ يا لطيف الطف!!
نقلا عن "الشرق الأوسط"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up