رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

عندما أكلت (السمكة وذيلها)

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

عندما قال لي أحدهم إنه ذاهب مع عائلته لقضاء إجازته في جزيرة (سيشل) الحالمة في المحيط الهندي٬ قلت بيني وبين نفسي: يا سبحان الله٬ اليوم يقصد الناس أمكنة كان المرء لا يصل إليها إلاّ منفيًا أو ناجيًا من سفينة غارقة.
وسيشل تلك هي التي نفت لها بريطانيا الزعيم المصري (أحمد عرابي) عام ٬1883 و(مالطة) التي نفت لها أيضا الزعيم (سعد زغلول) عام 1918. وجزيرة (كاليدونيا) الفرنسية هي التي نفي إليها المناضل الجزائري (محمد المقراني) عام 1853.
وجزيرة (لاريونيون) التي نفت لها فرنسا المجاهد (عبد الكريم الخطابي) أوائل القرن الماضي٬ وجزيرة (كامبانجان) الإندونيسية التي كانت مستعمرة هولندية٬ وأنشئت فيها تسعة سجون قاسية؛ إذا دخلها أحد من المحكومين لا يخرج منها إلاّ وهو موضوع في (تابوت).
وجزيرة (الكاترازي) – أو الصخرة – وهو سجن أميركي٬ من أشرس السجون٬ وقد اختاروه على هذه الجزيرة القريبة من (سان فرنسيسكو) ليخلقوا شعورا قاسيًا في نفس السجين الذي يجد نفسه مفتقرا للحرية وهو على هذا البعد الضئيل من أضواء وصخب واحدة من أجمل مدن العالم٬ وسبق لي أن ذهبت إلى تلك الجزيرة سائحا لا مسجونًا٬ وأذكر وقتها أنني أكلت (السمكة وذيلها) من فرط السعادة.
ومنظومة جزر (الكاريبيان)٬ ابتداء من كوبا٬ وانتهاء بهاييتي٬ مرورا بالبهاما والدومينيكان وبورتريكو وجامايكا وغيرها من الجزر الصغيرة٬ كلها كانت منافي ومعتقلات للمجرمين٬ ومحطات لجلب الرقيق المستعبدين من أفريقيا٬ وشاهدت السجون الممتلئة بالسلاسل الصدئة وغرف التعذيب التي كان يتفنن فيها المستعمرون.
كل هذه الجزر وغيرها أصبحت اليوم وجهة السياح من مختلف أنحاء العالم٬ ففيها المطارات الحديثة٬ والفنادق الراقية٬ والسواحل الرائعة٬ والطبيعة الخلابة٬ وفوق وأهم من ذلك كله٬ في نهاية كل موسم تقام مسابقات للجمال وللرقص كذلك٬ ونادًرا ما كانت تفوتني تلك المسابقات.
أما أروع وأرحم نفي هو عندما نفت بريطانيا أمير الشعراء (أحمد شوقي) إلى الأندلس بإسبانيا٬ وقد كتب من هناك هذه الأبيات لصديقه الشاعر (حافظ إبراهيم):
يا ساكني مصر إنا لا نزال على / عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا هلا بعثتم لنا من ماء نهركم / شيئًا نبل به أحشاء صادينا كل المناهل بعد النيل آسنة / ما أبعد النيل إلا عن أمانينا
فأجابه حافظ بهذه الأبيات: عجبت للنيل يدري أن بلبله / صاد ويسقي ربا مصر ويسقينا والله ما طاب للأصحاب مورده / ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا لم تنأ عنه وإن فارقت شاطئه / وقد نأينا وإن كنا مقيمينا
نقلا عن "الشرق الأوسط"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up