رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

جنّة داعش نار ونارها الجنّة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

استفاض عن «داعش» القول بأنّهم (خوارج) وقد شهدت الأمة بأئمتها – المعتبرين – اليوم بأنّ ما تأتيه هذه النابتة ليس من الإسلام في شيء وإن تلبّسوا – باطلاً – بما يُظن بادي الرأي بأفعال «جهاد» يُحقّقون جراءه (مشاريعهم الخاصة) ذلك أنّهم ليسوا على شيءٍ ذي بالٍ مما يُبتغى من «الجهاد الشرعي» تحقيقه، ومن واقع ما تظافر من أحاديث -النبي صلى الله عليه وآله وسلم- (الصحيحة) في شأن «الخوارج» فإن الحكم عليهم إنما هو صادر عنه – بأبي هو أمي – إذ هو من قال في حقهم «لَئِنْ لَقِيتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» وهو القائل «هَؤُلَاءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلَاءِ».
وثمة نصوص هي أكثر من هذه – قد جئتُ عليها في مقالاتٍ سابقة – تدفعنا إلى القول: بأنّه ليس من بأسٍ حين الشهادة عليهم فيما سيكون إليهم مصيرهم في الآخرة. أخذاً من قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- لما مرت عليه جنازة «هذه أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة..».
ولابن تيمية في منهاج السنة 5/295 كلامٌ نفيسٌ فليُراجع في شأن الشهادة بجنةٍ أو بنارٍ لمعين إذ ليس من غاية المقالة تحرير ذلك.
وعند الإمام أحمد وابن ماجة وفيه «يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار. قالوا بم ذاك يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله بعضكم على بعض» وهذا الحديث حسنه ابن حجر وجملة من بعض المتأخرين نزعوا إلى تصحيحه.
واختار ابن تيمية القول بـ «أن من أجمعت الأمة على الثناء عليه فإنه يُشهد له بالجنة وإن لم يَرد فيه نص فقال (ولا يُشهد بالجنة إلا لمن شهد له الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو اتفقت الأمة على الثناء عليه). ولا بأس من إعادة الحديث الذي صدّرنا به الكتابة قبلاً لينتظم الاستيعاب وذلك فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك -رضى الله عنه- قال {مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرآ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم – (وَجَبَت)، ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال (وَجَبَت) فقال عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ما وجبت؟ قال (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرآ فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض) وأنتَ ترى من خلال ظاهر الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قد علّق الحكم على شهادة المسلمين مكتفياً به.
ولن يستقيم لنا فقه الحديث السابق إلا حين ينضاف إليه ما قد أخرجه البخاري أيضاً في صحيحه من حديث أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله) وهو عملٌ فيما يظهر لنا – جميعاً – يُعد من أقرب القربات إذ هو مما تتمحّض به العبادة لله تعالى ذلك أنّه جاهد – خرج يبتغي الموت في سبيل الله ليس إلا- ونثنّي هاهنا بما قاله المحقّقون علماً وفقهاً حيث وكّدوا بأساليب مختلفة على هذا المعنى «أنه لا يُشهد لمعين بأنه في الجنة أو في النار إلا من قام الدليل على حكمه في الآخرة، وقد نص أهل العلم في كتب العقائد أنه لا يشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا لمن شهد له الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فمن قام الدليل على أنه في الجنة وجب الإيمان بأنه في الجنة، ومن قام الدليل على أنه بعينه في النار وجب الإيمان بأنه في النار، وإلاّ فالواجب إطلاق الحكم العام بأن المؤمنين في الجنة والكفار في النار..»
ولا بد من الختم بهذا الحديث لنتبيّن أن«داعشاً» قد أتت من الأفعال – المجرمة – ما يسبغ عليه لقب «كلاب النار» امتداداً لأجدادهم «الخوارج» في الاعتقاد وفي المنهج عن ابن أبي أوفى قال قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- «الخوارج كلاب النار» والحديث (صحيح) ومثله عند أحد – وغيره في المسند – عن أبي أمامة.. وهو كذلك في (المصنف) لعبدالرزاق، وقال الحاكم عنه هو (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي.
أما عن أوجه الشبه ما بين الخوارج وبين «كلاب أهل النار» فلنقرأه جميعاً في هذه المنقولات:
* قال القاري في «مرقاة المفاتيح» (أَيْ هُمْ كِلَابُ أَهْلِهَا، أَوْ عَلَى صُورَةِ كِلَابٍ فِيهَ).
* والمناوي في «فيض القدير» وكّد على أن المعنى هو (أنهم يتعاوون فيها عواء الكلاب، أو أنهم أخس أهلها، وأحقرهم، كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها) ثمّ أضاف (والحكمة من عقابهم بهذا العقاب: أنهم كانوا في الدنيا كلاباً على المسلمين، فيكفرونهم ويعتدون عليهم ويقتلونهم، فعوقبوا من جنس أعمالهم، فصاروا كلاباً في الآخرة) ولم تزل بعد «داعش» تُمارس نباحها في تمدّدٍ على نحوٍ فاحشٍ يتوكّد معه أحقيّتهم بلقب «كلاب أهل النار».
فأي جنّة إذن تلك التي يَعِدُ بها «الداعشيّون» أتباعهم وأيّة نارٍ تلك التي يتوعّدون بها خصومهم؟!
نقلا عن "الشرق"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up