رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

سينما إسلامية

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

نحن العشرين مليون نسمة نقطة في محيط العالم الإسلامي المتجاوز للمليار ونصف يستمتعون بالحياة والترفيه النزيه ومنها السينما والحفلات الغنائية، فهل كل هؤلاء على ضلالة.
في مقال سابق نشر هنا بعنوان «أول مداهمة للهيئة» تحدثت فيه بالأرقام الموثقة عن حجم المبالغ المهدرة في السياحة الخارجية للمواطن السعودي حيث جزء كبير منها يصرفه شباب سعودي لحضور حفلات غنائية لفنانين سعوديين! ومن ذلك أيضا ارتياد دور السينما في بعض دول الجوار. في خضم الجدل الدارج عنه هذه الأيام، أجدني مضطراً للعودة لهذا الموضوع لكن من زوايا مختلفة.
المزعج في الأمر ليس الهدر المالي الذي يهاجر للخارج بشكل أسبوعي أو موسمي في العطل والمناسبات من قبل أفراد وعوائل بل في ما قد يتعرض له الشباب من ارتياد للأماكن المشبوهة أثناء الرحلة للحفل الغنائي أو لمشاهدة أفلام سينمائية حديثة، وكأننا نلقي بهم في المنكر القطعي خارج البلاد كي لا يقعوا داخل البلاد في مفسدة ظنية هي محل خلاف معتبر بين أهل العلم الشرعي، والتي لم يقطع بتحريمها كالغناء مثلاً، أو السينما التي هي مجرد نقل لأفلام من الشاشة الصغيرة في البيوت لشاشة كبيرة في صالات العرض.
العجب أن تصدر أحكام بالمنع والتحريم في مسألة كالسينما من أناس لم يدخلوا صالات السينما أصلاً، ولم يشاهدوا كيف تعرض هذه الأفلام في دور العرض رغم أن القاعدة الفقهية تقول: «الحكم على الشيء فرع عن تصوره».
إن الاكتفاء بما يقال وينقل من تيار محيط بالفقيه وإصدار الحكم المباشر من خلال القيل والقال ينشأ عنه خلل كبير يدفع ثمنه الوطن والمواطن علاوة على ما يترتب عليه من إضعاف لقيمة الفتوى والتندر بها كما حصل في فتاوى تحريم البرقية والسيكل وجوال الكاميرا!
نشير هنا إلى أن الفتوى كما قيل «مُعْلِمة وليست مُلْزمِة». قال العلامة الحطاب في كتابه مواهب الجليل: (والإفتاء الإخبار عن حكم شرعي لا على وجه الإلزام) بخلاف الحكم القضائي الملزم للمتنازعين سواء قبلوا بالحكم أو رفضوه. حتى أن القاضي نفسه غير مُلزَم بأي فتوى. وفي أعلام الموقعين لابن القيم عن مسألة هل قول المفتي ملزم؟ ذكر أقوالاً ثلاثة صدّرها بالقول: «إنه لا يلزمه العمل بها إلا أن يلتزمه هو». لهذا فإن صاحب القرار يتخذ قراراته الإصلاحية رغم كثير من الاعتراضات كما حصل في قرار تعليم البنات ودخول النساء مجلس الشورى وقبلها إقرار عمل البرقية والهاتف وركوب السيارات التي كانت تعد من وسائل الشيطان! ولك أن تسرح بخيالك فيما لو تم الإصغاء لتلك الاعتراضات لما عرفنا الهاتف ولما تعلمت النساء في بلدنا ولما ركب أحد منا سيارة ولا طيارة ولا حتى سيكل!
أحد الفضلاء من الشخصيات البارزة في العلم الشرعي خرج على الشاشة مؤكداً على منع السينما وأن الشعب لا يريدها ولا يريد الحفلات الغنائية، وطالب بإجراء استفتاء شعبي ليثبت رأيه. المفارقة أن شخصه الكريم وكثيرا من أمثاله كانوا يحرمون دخول التلفزيون في البيوت ثم جاء تحريم الفضائيات التي يتزاحمون عليها اليوم ليطلوا من خلالها على (الشعب) الذي أحرق أجهزته جراء فتاوى التحريم.
ومن العجب الذي لا ينقطع منه العجب أن من هؤلاء الممانعين من أصبح يمتلك قنوات فضائية وسيطول بك العجب حين تراه، لاحقاً، يمتلك صالات عرض سينمائية تعرض طيور الجنة وشيلات «دق خشوم» ثم لماذا يا شيخنا نقوم بعمل استفتاء شعبي بينما اللاقطات فوق بيوت الشعب تتجاوز عدد السكان؟! وهل ما يعرض في صالات السينما غير ما يعرض في القنوات الفضائية؟ أليس ما يعرض في صالات عامة أفضل وأكثر أمانا وسلامة مما يعرض في الغرف المظلمة سيما وأن الرقابة بيد جهة حكومية مسؤولة تتحكم فيما يعرض وتحذف ما لا يليق بالأخلاق والقيم؟!
الملفت للنظر هنا أن الخطاب الراديكالي ينعت عامة الشعب نعتا فيه تنقص وازدراء بالمقولة الشهيرة: «العوام هوام»، ثم يأتي صاحب هذه المقولة مطالبا باستفتاء ذات «العوام الهوام»!. ضمن إحدى الورش للهيئة العامة للترفيه انتشر بروشور يشير للعوائق نحو تحقيق التطلعات، وذكر المنشور
أن أحد العوائق هو «العائق الاجتماعي ومحاربة التغيير»، هنا يظهر الفجور في الخصومة من الأطراف الممانعة بالدخول في النيات وفتح هاشتاق #هيئة_الترفيه_مايعيقنا_هو_تدين_المجتمع بينما لم يأت ذكر للدين هنا، وإنما اقتصر على عائق المجتمع الذي يحارب التغيير ويخاف المجهول.
نحن العشرين مليون نسمة نقطة في محيط العالم الإسلامي المتجاوز للمليار ونصف يستمتعون بالحياة والترفيه النزيه ومنها السينما والحفلات الغنائية، فهل كل هؤلاء على ضلالة سيما والحديث الشهير «لا تجتمع أمتي على ضلالة» رغم الاختلاف على صحته.
لفت نظري اقتراح أحدهم بإنشاء سينما إسلامية، ابتداء، تعرض محتوى تحت ضوابط معينة، تكون خطوة أولى لاستيعاب الأطراف المتشنجة، عسى فرجٌ يكون عسى.
نقلا عن "الوطن"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up