رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد آل الشيخ
محمد آل الشيخ

قتل المرتد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

من يقرأ في أدلة قتل المرتد فلن تخطئ عينه ملاحظة أن جميع أدلة الفقهاء الذين قالوا بالقتل اعتمدوا على حديث (من بدل دينه فاقتلوه) وتجاوزوا الآيات القرآنية المحكمة التي ترفض أن يُكره الناس على الإسلام؛ ولم يُفرق المشرع جل وعلا بين من دخله ابتداء وارتد عنه، ومن لم يدخله أصلا كما يبررون.
يقول جل وعلا: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } (256) سورة البقرة ويقول {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } (29) سورة الكهف ولم يذكر للمرتد الذي ارتد بمشيئته عن الإسلام عقوبة دنيوية إنما اكتفى بعقوبة الآخرة.
من قالوا بقتل المرتد وتجاوزوا آية{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} عللوا تجاوزهم بالقول إن الآية محصورة فقط في إكراه الناس على الدخول في الإسلام ابتداء، أما المرتد عن الإسلام فلا تشمله هذه الآية. ولم أجد لحصرها في تلك الصورة دليلا واضحا جليا يسوغ القتل؛ فالأصل في التعامل مع مدلول الآيات القرآنية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ما يجعل منطق العموم ينسحب على مدلول هذه الآية. بل هناك أدلة حديثية، وصحيحة السند، تؤكد أن الرسول لم يقتل أحدا ممن ارتدوا عن دينهم؛ مثل ما جاء في حديث صحيح رواه جابر بن عبدالله في صحيح مسلم أن أعرابيا قال للرسول: (يا محمد أقلني بيعتي) أي أنه عاد عن بيعته للرسول، فأبى رسول الله، وألح فلم يجبه لإلحاحه، فخرج من المدينة وغادرها، فعلّق الرسول على الحادثة بقوله: (إنما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها)، واكتفى بذلك، ولم يرسل في طلبه ليقتله؛ فلو كان الرجوع عن الإسلام جريمة ذات عقوبة دنيوية لاستحق العقوبة وأرسل في طلبه وقتله، كما فعل بالعُرينيين الذين سرقوا إبل الصدقة.
كذلك هناك روايات عن عمر بن الخطاب تشير إلى أنه لا يرى قتل المرتد وإنما تعزيره. إضافة إلى أن فقيهين من كبار فقهاء التابعين، هما الثوري والنخعي قالا بسجن المرتد وليس قتله.
أما حادثة ردة أهل اليمامة، فلها ملابسات أخرى، تستدعي عدم الاستدلال بها، والقياس عليها؛ حيث أنها وإن سُمّيت ردة فهي في حقيقتها بمنطق اليوم انشقاق سياسي على الدولة؛ بمعنى أنها كانت تفلتا جماعيا على السلطة الحاكمة، لها تبعات محض سياسية وانعكاسات اقتصادية، جسّدها قول أبي بكر: (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم دونه), الأمر الذي يؤكد أنها كانت تمردا على دفع المستحقات الريعية للدولة المركزية في المدينة، كمن يتمرد على دفع الضرائب اليوم.
كل هذه الأدلة تؤكد أن أدلة الفقهاء لإيقاع القتل بمن ارتد عن الإسلام، ونكص عنه بعد إيمانه، أدلة محض اجتهادية، لا ترقى إلى درجة الإحكام، ويجوز مخالفتها لعدم تظافر الأدلة على قطعيتها.
إلى اللقاء
نقلا عن "الجزيرة"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up