رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالرحمن الراشد
عبدالرحمن الراشد

براءة مبارك

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 اعتُقِل القيصر نيكولاس الثاني، ووُجِّهت له تهم كثيرة، وأُعدِم مع عائلته في السنة التالية، بعد محاكمات سريعة بالخيانة والقتل والفساد. محاكم الثورات دائماً سياسية، لأنها تعطي الشرعية للحكم الجديد.
حسني مبارك، هو المصري الأطول عمراً في حكم البلاد؛ ست فترات رئاسية، ولم يكن يتصور أحد أن ينتهي ذليلاً مسجوناً. فاز في كل انتخابات، بالقليل من الجهد، لأن نظام التصويت يضمن له الفوز، وحتى بعد تعديله في آخر مرة كان فوزه سهلاً وساحقاً، لأن الانتخابات عادة مسرحية مصمَّمَة للفوز فقط.
لكن حتى مع الخلل الواضح في شرعيته، فإن مبارك لم يكن حاكماً مستبداً كما يُشاع، كلهم في عهده عملوا في العلن، بما فيهم المعارضة، مثل الإخوان المسلمين الذين كانت لهم كتلة في البرلمان، ووسائل إعلام ومساحة لا بأس بها من الحرية.
ويقول أحمد ماهر، من حركة شباب 6 أبريل، وهو تنظيم معارض تأسس ثلاث سنوات قبل انتفاضة ميدان التحرير، إن خطة الشباب الثوري، خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، لم تكن في الأساس قائمة على ضرورة حبس الرئيس الأسبق حسني مبارك أو إعدامه. الشعب شارك وهتف بضرورة الحصول على العيش الكريم والعدل والحرية والكرامة الإنسانية فقط.
أخيراً برّأت محكمة النقض مبارك من التهم الموجهة إليه، من قتل المتظاهرين، تهمة يقول محامي الدفاع إنه لم يظهر ما يسندها طوال مراحل الحكم الثلاث التي أعقبت تنحيه عن السلطة، وهي المجلس العسكري ثم حكم الإخوان المسلمين، والآن في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولا أعتقد أن البراءة مهمة للرئيس مبارك تفادياً للعقوبة، فهو في سن الثامنة والثمانين، ومصاب بأمراض كثيرة حتى قبل سقوطه، لكن أتوقع أن أكثر ما يهمه هو براءةٌ للتاريخ. مبارك كان حاكماً إدارياً رديئاً، وعرف الفساد طريقه إلى عائلته وأعضاء حزبه، إنما لم يكن دموياً.
ويقول محاميه، فريد الديب: «إنه من غير المنطقي أن يقضي شخص 2211 يوماً من عمره يُحاكَم على تهمة لم يفعلها»، متسائلاً: «مَن يعوضه عن سنوات عمره تلك؟».
الحقيقة، استمرار سجن مبارك، أو توقيفه لنحو ست سنوات، ثمن لعناده وتجاهله لكثير من التحذيرات الداخلية والدولية، مِن التسيب الذي دبَّ في بلاط الحكم، وتهميشه المؤسسة العسكرية الذي تسبب أخيراً في إزاحته. وكثيرون صاروا يميلون، مع مرور الوقت، إلى القبول بنظرية تقول إن ثورة 25 يناير عام 2011 ما كان لها أن تنجح لولا أن الجيش كان راضياً بالتغيير. وذلك بخلاف ما حدث في تونس وليبيا واليمن وسوريا، من ثورة شعبية جارفة تحدَّت كل الكيانات والقوى وجرفتها.
سيختلف الناس لعقود طويلة مقبلة على سيرة الرئيس الأسبق، ما بين ناقم ومدافع، ولن يكون إعلان المحاكم براءته هو الفيصل، بل سيقرره رواة التاريخ.
نقلا عن "الشرق الأوسط".

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up