العقلية الشكلية المظهرية حين تنعكس سلوكاً !؟
لو سألتني ماهي آفتنا وأين مكمن الداء عندنا لقلت بلا تردد : أنها هذه الشكلية والمظهرية التي تتبدى فكراً وتنعكس سلوكاً . إذ يستطيع كل ذي عينين ان يرى ذلك واضحاً لا يحتاج رصده إلى كثير تفكير او طويل تأمل وتعمق .والشكلية ليس لها وجه واحد ، وإنما تلبس ألف قناع . فهي تعبر عن ثقافة ، هي الثقافة المظهرية الشكلية .لذا فهي لاتكتفي بالتجلي والتمظهر في مجال دون آخر . وإنما تمتد آثارها في كل الاتجاهات وتشمل كل المجالات .في الاقتصاد والاجتماع و السلوك ، في العادات والعلاقات الاجتماعية ، كما في التربية والتعليم فهي التي تحدد نوع ومستوى الفكر ، مثلما تحدد أنماط ودرجات الانفعال والسلوك وتتدخل الثقافة أو العقلية الشكلية والمظهرية حتى في فهم النظم والقوانين والتعامل معها ، وطرق استخدامها وتوظيفها ، وبل وكيفية إدارة المؤسسات صغرت أم كبرت . وتستطيع أن ترصد سطوة هذه العقلية الشكلانية أو المظهرية في اصغر تجلياتها ، حينما يزمع أحدهم شراء سيارة مثلاً . فتلاحظ أنه لا يسأل عن خواصها الميكانيكية ، ولا يتفحص ماكينتها ، ولا يلقى بالاً لنوعية خام جسمها وكم عمره الافتراضي ، انه لايهتم بما هو جوهري في السيارة حتى يتأكد من مدى صلاحيتها الحقيقية ، مثل كم تستهلك من الوقود والزيوت اي تكلفة التشغيل وما إلى ذلك . أنه يتجه مباشرة عوضاً عن ذلك إلى " جس " أطرافها الخارجية الظاهرة من إكسسوارات جمالية خارجية ، ومثل الأطفال يتحسسها بفضول وفرح طفولي وكأنها لعبة يبحث عن ماهو مشوق و " جميل " فيها . بل أن الصورة كثيراً ما كانت تبدو لي كما لو أنه مشترٍ في سوق للأغنام يتحسها ظاهرياً وخارجياً ، بغرض الشراء ، انه يكتفي بمجرد هذا الجس والتلمس الظاهري الخارجي ، في حين أن الأمر يرتبط بمركبة تسير في الطرقات ولاكثــــــر مـن ( كذا عام ) ، وقد يؤدي أي تهاون ، أو أي خفة في فحصها إلى هلاكك ومن معك · حســــــنا . إن دائرة الآثار السلبية لمثل هذا الفهم للأمور تبدو ابلغ ضرراً حين تمتد الى سياستنا التربوية . فكثيرون منا يعتقدون أن غاية مهامهم في تربية عيالهم تنتهي بتأمين الاحتياجات والكماليات الضرورية ، بل والترفيهية غير الضرورية لمن يعولون . شيء ما من الجهل والغفلة يجعلهم يشعرون بالرضا عن أنفسم ، وبأنهم قاموا بدورهم كاملاً ، حين يوفرون للزوجة كل ما ترغب فيه من ذهب وحلي وملابس وسيارة وجيش من الخدم والحشم والسائقين ، وكل مايرغب فيه الأولاد والبنات من ملابس ، وسيولة تتدفق بين أيديهم بغير حساب ، وسيارات –حتى لمن لم يبلغ نصاب الرشد -وأجهزة اتصالات ومعلومات ، دون تسليحهم بالوعي اللازم لكيفية التعامل مع هذه الأشياء الخطرة . وما هي النتيجة في النهاية ؟ لا احد يسأل نفسه مثل هذا السؤال . . فقد فعل ماعليه ..أو هكذا يظن نفسه . ليتفاجأ بعد قليل بأنه ارتكب اكبر جريمة في حق من يحبهم . لقد جنى عليهم نتيجة هذا الفهم الغبي المهلك وهو يظن بأنه كان يقدم لهم خير مايمكن أن يقدمه . وبالطبع تستطيع أن تتصاعد مع هذا العقل إلى أبعد من ذلك ، أي إلى ماهو عام ، حين ترى كيف تتم شخصنة السلطة الإدارية ، والتي هي ممنوحة " كصلاحيات للمنصب الوظيفي وليس له هو شخصياً ، فتجده يحول المؤسسة التي يديرها الى أملاكه الشخصية ، ليوظفها وفق هواه الشخصي ، ويقوم بتعطيل النظم والقوانين ليفّعل في المقابل أهواؤه وميوله الشخصية ، والمعيار الذي يعتمده في ذلك هو مزاجه الخاص . نتيجة لهذا المنهج الشخصي تختل الموازين ، ليصعد من لا يستحق درجاتاً عليا ، ويهبط من يستحق وفق معيار الكفاءة إلى الدرك الأسفل ، فتضيع حقوق العباد ويستشرى الظلم ويغيب ميزان العدل تماماً . فتصبح الوظيفة التي هي بالأساس مسؤولية وتكاليف ، وجاهة اجتماعية وعنواناً على البرستيدج الاجتماعي " وتؤول إلى مناصب شرفية لاتقدم ، بقدر ماتؤخر ، عمل المؤسسة وتعطيل آلياتها .
لا يوجد تعليقات