رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

عدالة توزيع تكاليف وعوائد تحول الاقتصاد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ينتظر أن تسفر خطط وبرامج تحول الاقتصاد الوطني من وضعه الراهن إلى وضعه المستهدف بنهاية 2020، عددا من التغيرات الجذرية والعميقة التي تتعلق بكل مكونات الاقتصاد والمجتمع، يمكن تلخيصها في ثلاثة مكونات رئيسة: المكون الأول- الحكومة. المكون الثاني- القطاع الخاص، الذي ينقسم إلى جزءين، الجزء الأول ممثلا في الجانب المنتج والمشغل، والجزء الثاني ممثلا في الجانب المكتنز وملاك الأصول.
المكون الثالث- المجتمع بكل ما يمثله من أسر وأفراد. ستشترك جميع المكونات الرئيسة أعلاه بنسب متفاوتة إلى حد بعيد، في تحصيل وتحمل كل العوائد والأعباء والتكاليف المالية اللازمة لإتمام برامج التحول الهيكلي المستهدف. يجب التعرف على تفاصيل تلك العوائد والأعباء حسب كل مكون، وصولا إلى ضبط وتأمين تنفيذ برامج التحول الاقتصادي، بما يحقق أعلى معدل للعوائد المستهدفة من التحول، مقابل أدنى معدل ممكن من التكاليف المحتملة، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي، أو على مستوى المكونات الرئيسة :الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع. المكون الأول: الحكومة، التي ستنعكس عليها برامج التحول في جانب العوائد، بارتفاع التدفقات المالية الداخلة على جانب إيراداتها الأخرى غير النفطية، من خلال إقرار عديد من الرسوم والضرائب المتنوعة على مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما سيتحقق لها وفورات مالية نتيجة السحب المتدرج للدعم الحكومي على استهلاك موارد الطاقة والمياه خلال الفترة 2017 - 2020، يفترض أن تسهم تلك الإيرادات الأخرى المتنامية عاما بعد عام إضافة إلى الإيرادات النفطية المقدرة، في تحقيق ميزانية متعادلة على أقل تقدير بنهاية الفترة 2017 - 2020.
في الوقت ذاته؛ ستتحمل الميزانية الحكومية أعباء وتكاليف مالية، بدءا من استمرارها في الإنفاق الجاري بمعدلات متناقصة، والإنفاق الرأسمالي اللازم على البنى التحتية، إضافة إلى تحملها فاتورة تحفيز ودعم القطاع الخاص المقدرة خلال الفترة بنحو 200 مليار ريال، وفاتورة الدعم النقدي المباشر للشرائح المستحقة من أسر وأفراد المجتمع "حساب المواطن".
المكون الثاني:
(1) القطاع الخاص "الجزء الأول منه المنتج والمشغل"، الذي سيكون الطرف الأكثر تحملا للأعباء والتكاليف المالية اللازمة لتحقيق برامج التحول الهيكلي مقارنة بالأطراف الأخرى كافة، وتنقسم تلك التكاليف إلى قسمين؛ القسم الأول من التكاليف: المتعلق بارتفاع تكلفة استخدامه موارد الطاقة والمياه، إضافة إلى تقلص نصيبه من الإنفاق الحكومي الرأسمالي وبرامج الدعم المتنوعة "صندوق الاستثمارات، صندوق التنمية الصناعية"، وهو القسم الذي يحاول أرباب القطاع الخاص الإبقاء عليه أو زيادته، بما يتعارض تماما مع أسس وأهداف برامج التحول الاقتصادي المستهدف، تم إيضاح ضعف دعواه في هذا الخصوص بصورةٍ كاملة في ثلاث مقالات بعنوان "كشف حساب القطاع الخاص" في النصف الثاني من شهر شباط (فبراير) الماضي. أما القسم الثاني من التكاليف: فهو المتعلق بزيادتها على عمليات التشغيل والإنتاج كرسوم العمالة الوافدة والبلدية.. إلخ، التي تحدثت في تاريخٍ سابق عن ضرورة الحيطة والحذر من عدة أوجه حال إقرارها وتطبيقها على منشآت القطاع الخاص، درءا لانكماش نمو القطاع الخاص الذي يعول عليه بدرجة أكبر في قيادة الأداء الاقتصادي الكلي، ومنعا لتلاشي كثير من منشآته الصغيرة والمتوسطة، أو التسبب في عدم تأسيس كثير من المنشآت الإنتاجية والخدماتية، الذي لا شك أنه سيلقي بظلاله القاتمة على توافر وجدوى استغلال كثير من فرص الاستثمار المحلية من قبل المستثمرين المواطنين.
تم الحديث عنها بصورة موسعة في أكثر من مقال ومقام، منها مقال "كيف نعزز الإيرادات غير النفطية بما يخدم الاقتصاد؟"، ومقال "الضرائب على المستهلك والإنتاج وملكية الأصول"، ومقال "إنقاذ القطاع الخاص من الغرق"، تم نشرها هنا في صحيفة "الاقتصادية" خلال أكتوبر 2016 الماضي.
(2) القطاع الخاص "الجزء الثاني ممثلا في الجانب المكتنز وملاك الأصول"، لعل الأثقل وزنا بين كل الأطراف الممثلة لهذا الجزء، ملاك الأراضي والمضاربين عليها وملاك العقارات المدرة، الذين على الرغم من أنهم شكلوا العقبة الأصعب والسبب الأول وراء أزمات الاحتكار والإسكان، وغلاء الأسعار وتضخم تكاليف الإنتاج والمعيشة على حد سواء، إلا أنه على الرغم من كل ذلك كانوا الطرف الأقل تحملا للأعباء والتكاليف المالية اللازمة لتنفيذ برامج التحول الاقتصادي! كان العبء المالي الوحيد الذي تم إقراره على هذا الطرف ممثلا فقط في الرسوم على الأراضي التي أخذت منهجية تطبيقها منحى مرنا جدا، وفضفاضا بصورة واسعةً جدا مع الأطراف المقررة عليهم، لا يمكن مقارنة تلك المنهجية المتدرجة والبطيئة التطبيق بأي رسوم أخرى على أي من الأطراف الأخرى، الأمر الذي يشكل بدوره نقطة ضعف تتطلب سرعة استدراكها ومعالجتها فورا، لما قد تتسبب فيه من آثار ونتائج وخيمة جدا، تقتضي أهميتها الحديث عنها بشكل موسعٍ في مقال منفرد قريب الموعد.
المكون الثالث: المجتمع بكل ما يمثله من أسر وأفراد، الذي ستتحمل شرائحه الأعلى دخلا التكاليف الكاملة لتحرير أسعار استهلاك موارد الطاقة والمياه، فيما ستتحمل الشريحة المتوسطة الأعلى منه جزءا من تلك التكاليف، وأخيرا الشرائح المتوسطة الأدنى والمحدودة الدخل، التي كفلت لها الدولة تحمل التكلفة كاملة لتحرير أسعار الاستهلاك وإزالة الدعم الحكومي عبر "حساب المواطن"، سبقت الكتابة عنها بالتفصيل في مقالين بعنوان "تحديات حساب المواطن" في منتصف شباط (فبراير) الماضي، والتركيز على جانبين بالغي الأهمية في هذا الخصوص، الجانب الأول: أن تتكفل إدارة حساب المواطن بالحماية الكاملة للشرائح الاجتماعية الأدنى دخلا من أي آثار تضخمية مباشرة وغير مباشرة. الجانب الثاني: أن يتم الأخذ بعين الاعتبار القروض المصرفية باختلاف أنواعها، التي يتحملها رب الأسرة لما يشكله استقطاع أقساطها الشهرية بنسبٍ تصل إلى أعلى من 60 في المائة، سيؤدي أخذها في عين الاعتبار إلى تحقيق أعلى درجات العوائد على المجتمع من تحقيق برامج التحول، وفي الوقت ذاته سيسهم بدرجة كبيرة في حماية تقدم مشروع تنفيذ تلك البرامج والخطط. يمكن القول وفقا لما تقدم، وبناء على ما اتضحت صورته حول توزيع تكاليف وعوائد تنفيذ برامج التحول الهيكلي الاقتصادي المنشود، أنه توجد ركائز قوة يجدر دعمها والإسراع فيها دون تردد، وتوجد أيضا ثغرات ضعف محتملة يجب العمل على سدها مبكرا، درءا لأخطارها وآثارها السلبية التي قد تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، قبل أن تهدد تحقق الهدف المنشود لبرامج التحول، سيستمر الحديث عنها بمشيئة الله تعالى في المقال القادم. والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

arrow up