رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عقل العقل
عقل العقل

وردة حمراء على جبين لندن الفاتنة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لكل منا تجربته الخاصة مع العاصمة البريطانية لندن وبريطانيا عموماً. قضيت فترة طويلة نسبياً هناك، إذ كانت متقطعة بداية للدراسة ومن ثم عشت فترة امتدت أكثر من 10 سنوات، ويمكنني القول أن لندن هي المدينة الجميلة التي أعرف أزقتها كما أعرف تفاصيل العاصمة الرياض. سكنت في أماكن متعددة هناك، في جنوبها وفي شرقها، وفي الجزء الأخير من إقامتي هناك عشت في غربها في منطقة أكثر ما يمكن أن توصف به أنها خليط من الأجناس البشرية متعددي الثقافات، فجارتنا الإنكليزية المطلقة كانت تصحو في بدايات الفجر لتتجهز لعملها اليومي في مجال ترتيب وإقامة الولائم، كان يسكن معها ابنها، ويمكن القول أنه من الطبقة المثقفة، إذ كان يعمل في إحدى المؤسسات الإعلامية الكبرى، وهذا الرجل الإنكليزي الأبيض لظروف لم يقلها لي اعتنق الإسلام، وقد أقول إنه من أكثر من يمثل الإسلام سماحة وخلقاً، فدينه له ولا يتدخل في حياة الجيران أو محاولة دعوتهم إلى ديانته الجديدة، ويبدو أنه تحول إلى الديانة الإسلامية عن قناعة وقراءة عميقة وتجربة إنسانية علينا احترامها، جارنا الآخر هو بريطاني الجنسية من أصول إيرانية هو وعائلته من أتباع الديانة البهائية، ولا أستطيع أن أصف قدر الحب والعاطفة التي يحملونها لكل الجيران. كنا في شارع متعدد الثقافات والأعراق، ولم أشاهد يوماً إشكالاً سببه الدين أو العامل العرقي أو الثقافي. في لندن ولد ابناي مشعل وسارة، وهذا بحده سبب كافٍ لارتباط عاطفي مع تلك البقعة من الأرض، فهما لا يزالان مرتبطين بها وهذا حق لهما، زوجتي الغالية «مها النوفل» كانت لنا وإياها تجارب متعددة منها الدراسية، إذ تخرجت في إحدى جامعات لندن ومن ثم العمل هناك، ولا أنسى موقفاً لي عندما كنا ننتظر أنا ومشعل عودتها من الجامعة في أحد الأيام في إحدى محطات الأنفاق، ومصادفة التقينا بجارتنا الإنكليزية وهي يهودية الديانة، وتبادلنا الحديث، وكان أغلبه عن أحداث الـ11 من سبتمبر التي كانت في ذروتها، وأذكر مما قالته تلك السيدة أن «المسلمين سيواجهون ظروفاً صعبة في المستقبل» وقد صدق حدسها. المجتمع البريطاني يبدو جامداً ورافضاً للمهاجرين، وكم سمعت من الشكاوى من كثير من العرب والمسلمين من صعوبة تكوين علاقات مع الإنكليز، وهذا يولّد إحساساً بالغضب والقهر عند البعض بسبب هذا التهميش الاجتماعي.
أذكر موقفاً حدث أمامي في مقر عملي وكان يوم انتخابات هناك، إذ دار الحديث بيننا عن أهمية مشاركة زملائنا العرب ممن يحملون الجنسية البريطانية، ولكن لا يبدو أن هذا من اهتماماتهم، وكان أحدهم ويدعى منسي وهو من بلاد النوبة المصرية، ذكر أنه كإنكليزي له الحق في التصويت، في لحظة ردَّ عليه سائق المكتب (جون)، وهو رجل إنكليزي ذو بشرة بيضاء وعيون زرقاء، وقال لصحابنا: «إنك لست بإنكليزي مثلي، أنت بريطاني»، هل مثل هذه النظرة تعبّر عن رفض مجتمعي للمهاجرين هناك؟ ولكن يبدو أن المشكلة عند بعض المهاجرين، وخصوصاً من ذوي الديانة الإسلامية، فتجد رفضاً عند بعضهم للقيم الغربية ونقداً صريحاً لها، وهذا من حقهم، ولكن قضية الاندماج الثقافي باعتقادي ضرورة للعيش هناك، ولاسيما أننا نجد أبناء مهاجرين ولدوا هناك إلا أنهم مرتبطون بشكل قوي بالثقافة الأم، وكم من المرّات قرأت عناوين في الصحف البريطانية عن جرائم «الشرف» بين الجالية المسلمة هناك، بل حتى إن قضية الزواج بينهم تتم بطريقة مرتبة من البلد الأصلي. هذه الخواطر الشخصية كلها استرجعتها على خلفية الهجوم الإرهابي الذي وقع على جسر ويستمنستر الأسبوع الماضي، وراح ضحيته عدد من الأبرياء، إضافة إلى مقتل شرطي على مدخل البرلمان البريطاني، أقف احتراماً للأجهزة الرسمية البريطانية، إضافة إلى الإعلام، الذي تعامل مع الحادثة بكل عقلانية مقارنة بالإعلام الأميركي مثلاً في مثل هذه الظروف الصعبة، على رغم أن داعش تبنى الهجوم، ولكن الشرطة البريطانية ذكرت أن دوافع منفذ الهجوم ماتت معه، وكلنا يعرف أن الإرهابي خالد مسعود تحول من المسيحية إلى الإسلام قبل سنوات بعد حياة مضطربة. ستظل بريطانيا ولندن خصوصاً مدينة عالمية كعادتها ترحب بالمهاجرين والغرباء على رغم هذه الحوادث الإرهابية، ولها مني وردة على جبينها، فهي مركز المال والإعلام والثقافة المنفتحة على الآخر، ولكن على الجاليات المسلمة هناك ألا تكتفي ببيانات الشجب والاستنكار، وعليها الاندماج الحقيقي في مجتمـــعات هاجرت إليها واحتضنتها لظروف متعددة.
نقلا عن الحياة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up