رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

يكفينا مواعظ

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حين تتأمل أكثر الدول نزاهة وشفافية في العالم تحتار فعلاً؛ هل وصلوا لهذا المستوى بسبب القوانين والتشريعات، أم بسبب التربية والأخلاقيات؟
أعتقد شخصياً أن هناك تداخلاً كبيراً (وحميدا) بين الطرفين بحيث يفشل أي طرف بمعزل عن الآخر.. فالنصائح والمواعظ والخطب من جهه لا تضمن لوحدها قيم النزاهة والأمانة والإخلاص في المجتمع (وإلا كنا أفضل الأمم عطفاً على الكم الهائل من المواعظ والنصوص التي نملكها في ثقافتنا).. ومن جهه أخرى لا يمكن لأي قوانين وتشريعات ضمان نزاهة المجتمع لصعوبة مراقبة الجميع وقدرة الفاسدين والمتنفذين على تطويع القوانين لخدمتهم من جهة أخرى..
ورغم أنني شخصياً أؤمن بأهمية الاثنين (الوازع الأخلاقي، والوازع القانوني) أملك قناعة بأهمية وأسبقية الوازع القانوني والحزم في تطبيق قوانين مكافحة الفساد..
فنحن نملك أصلاً ما يكفي من المواعظ والأخلاقيات والنصوص الشرعية، ووصلنا منذ زمن بعيد لمرحلة نحتاج فيها إلى إرادة وحزم في تطبيق قيم النزاهة وتطبيق قوانين الأخلاقيات العامة.. ليس أدل على ذلك من الحديث النبوي الشريف (إِنَّ اللهُ يَزَع بِالسلْطَانِ مَا لا يَزع بِالْقرْآن).. ليس أدل من الواقع الدولي الذي يؤكد ارتفاع مستوى النزاهة والشفافية في دول لا تملك قرآناً ولا تؤمن بدين ولا تلجأ لأسلوب الخطب والمواعظ..
لدينا كم هائل من الآيات القرآنية والتوجيهات النبوية التي ترسخ لمبادئ سامية وراقية، ولكننا للأسف نكتفي بحفظها كنصوص ولم نخرجها إلى حيز التطبيق كقوانين الأمر الذي يجعلها أضعف من الوقوف أمام أصغر موظف يبحث عن رشوته الخاصة..
ولكن من خلال الجدية في تطبيق القوانين، وترسيخ العقوبات، وخلق العبرة تلو العبرة؛ تتبلور ثقافة الأمانة والنزاهة وكف اليد.. تتحول بمرور الوقت وكثرة التطبيق وتوالي العقوبات (والتأكيد على عدم وجود أحد فوق القانون) إلى سلوك اجتماعي لا يتجرأ أحد على الانحراف عنه بصرف النظر عن مستوى ضميره وأمانته الفردية..
فالآيات والأحاديث تبقى مبادئ نظرية وأفكاراً مثالية مالم نعمل على تحويلها إلى قوانين وتشريعات تدعمها سلطة رسمية ومرة أخرى بدليل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللهُ يَزَع بِالسلْطَانِ مَا لا يَزع بِالْقرْآنِ)!!
... الفرق بين النظرية والتطبيق هو سبب تخلف المجتمعات الإسلامية وعيشها في واقع مغاير لما تفترضه النصوص الشرعية.. فشعوبنا الإسلامية تحتل دائماً مؤخرة الترتيب في كافة القوائم الدولية (من قائمة الفساد والتنمية والرفاهية، إلى كبت الحريات واضطهاد الأقليات وحقوق المرأة).. تحتل مراكز متأخرة في مبادئ وأخلاقيات أمرت بها قبل بقية العالم ب14 قرناً على الأقل.. فالغرب مثلاً لم يعرف المساواة بين الجنسين إلا في الثلاث مائة عام الأخيرة، في حين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم(النساء شقائق الرجال).. وأميركا لم تمنع التجسس على المواطنين إلا في السبعينات، في حين يقول تعالى (ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا).. وفي حين لم تعترف الدساتير الوضعية بحق الإنسان في الاعتقاد وحرية التعبير إلا بعد الثورة الفرنسية، يقول تعالى (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).. أما حقوق الأقليات فلم تدخل دائرة الاهتمامات العالمية إلا بعد ظهور الدساتير والمنظمات الحقوقية، في حين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (من آذى ذمياً فقد آذاني) و (لَا فضْلَ لِعرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتقوى)..
وهذه كلها حقوق إنسانية تظل في إطارها التنظيري مالم يتم تطبيقها بحزم وجدية ومن خلال قوانين وتشريعات رسمية!
... وأذكركم مجدداً بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله يَزَع بِالسّلْطَانِ مَا لا يَزَع بِالْقرْآن".. ويكفينا مواعظ.. نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up