رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

الواسطة كثقافة مجتمع...تسألني كيف !؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الواسطة ليست مجرد «وسيلة» ملتوية لتحقيق العدل حين يعجز الشخص عن أخذ حقه. إنها ثقافة وتراث ثقافي متكامل، يستند في جذوره إلى نظمنا الاجتماعية التقليدية المتوارثة. ففي المجتمعات الأبوية، مثل مجتمعاتنا، تترسخ مجموعة من القيم الاجتماعية، ترتكز على التكامل الاجتماعي، إلا أن الانحراف بهذه القيم في ظل المؤسسات، وفي ظل شخصنة السلطة الإدارية، حيث يصبح المسؤول هو المؤسسة ونظمها، يجعل من المؤسسة «صنيعة» أو مزرعة خاصة به، يوظفها وفق إرادته ومشيئته، ويخضعها لنزواته ونزعاته وأهوائه الشخصية. فيمنع من يستحق، ويعطي من لا يستحق. فما الذي تتوقعه في ظل مثل هذا الوضع؟! النتيجة المنطقية تتوزع في اتجاهين: الأول هو أن يختل عمل المؤسسات والمرافق حين يحتل كل غير موقعه، حتى تضيع قاعدة «الرجل المناسب في المكان المناسب» أدراج الرياح، والخاسر في النهاية هو المجتمع. الثاني هو إشاعة الشعور بالظلم، وما يترتب على ذلك سيكولوجيا من شعور بالغبن والحيف. بالطبع هو أمر محزن في الحالتين. ولكن تأمل ما الذي يمكن أن تؤدي إليه الواسطة؟! الواسطة يا هداك الله يمكن أن تؤدي إلى كوارث اجتماعية تتعدى ذلك بكثير، ولكننا لا نعتبر. أعرف أنك تريد أن تسأل: من أي جحر تخرج هذه الآفة؟! هل تذكر أنني قلت لك في بداية حديثي: إنها انحراف في ممارسة اجتماعية حميدة؟ ربما تحتاج إلى زيادة إيضاح هذه النقطة. نحن نعيش في مجتمع يعتمد في نسيجه على التلاحم والتراحم والتكافل، بمعنى نحن عكس المجتمعات الغربية، فالفرد منا يستمد قيمة وجوده من تلاحمه مع المجتمع، إذا أصابت الفرد منا مصيبة فهي مصيبة الجميع، وإذا أصابه فرح فهو فرح الجميع، نحن معجونون في بوتقة واحدة، لذا يلجأ بعضنا لبعض في كل الأحوال والملمات. هذا مبدأ وأساس جيد لا يمكنك أن تذمه بل هو سر هذا التماسك غير المنظور لغيرنا. أقول لك الآن: إن الانحراف بهذا المسلك أو هذا الأساس السليم والقويم والصحيح يحوله إلى كارثة! تسألني كيف؟ المسألة ببساطة تتلخص نظريا في أنك تنحرف بهذا النظام الاجتماعي عن مساره الفطري والطبيعي. أنت تعرف أن الإنسان ضعيف، وقد قال خالقه سبحانه: «إن الإنسان خلق هلوعا» ومن أدرى بالخلق من خالقهم؟ أتدري ما الذي يعنيه ذلك؟ إنه يعني: لا بد من آلية تضمن عدم الانحراف بهذه القاعدة، أو هذا المبدأ الاجتماعي عن مساره الصحيح. أعني آلية تضمن أن تسير الأمور دون الحاجة إلى الواسطة كآلية لإحقاق الحق. إذا قلت «المأسسة» هل تراني أقول ألغاز...؟! حسناً، أعني بالمأسسة أن نخضع جميعا للنظم والقوانين واللوائح التي لن نحتاج إذا ما تقيدنا والتزمنا بها إلى الواسطة لقضاء حوائجنا. أظنك توافقني الرأي على أن هذا هو الطريق الأمثل لنتخلص من ثقافة الواسطة التي خيمت على مجتمعاتنا وعششت وأفرخت سلوكيات، عبثا نحاول اقتلاعها. هل ذهبت إلى بنك ما، ورأيت كيف أن بعضهم لا يطيقون الوقوف في الصف فيذهبون إلى مسؤول ما ليصرف شيكهم أو يقضي معاملتهم دون احترام لإنسانية ووقت الذين التزموا بـ«السير»؟ هل شعرت بالمرارة لهذا السلوك؟ إنها آفة ثقافة الواسطة .. فماذا تفعل؟ «إن لم تستح فافعل ما شئت».

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up