رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فيصل العساف
فيصل العساف

الهيئة.. قضاة على قارعة الطريق!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بمباركة شعبية جماعية أقيل وزير الصحة السعودي الأسبق بعد تعيينه بنحو شهرين إثر مشادة كلامية مع أحد المواطنين. في السعودية البلد غير الديموقراطي شكلاً، يمكنك مضموناً انتقاد أي عمل لا يتوافق مع رؤاك، بل حتى أهوائك، ابتداءً من لمز جهود الدولة والتعريض بها عبر انتقاد قطار يتعطل كأي آلة في الدنيا، وصولاً إلى التشكيك في عدالة القبضة الأمنية، والمطالبة بالإفراج عن المسجونين على ذمة قضايا تهدد استقرار البلاد والعباد، عليك فقط حتى تنأى بنفسك عن سهام النقد المضاد، مراعاة «شكل» المسؤول محل الاتهام أو توجهاته، وعلى أي التيارات يمكن أن يتم احتسابه! وعلى ذكر الاحتساب، فإنه ينبغي التنويه في هذا الصدد إلى أن تلك الحصانة من النقد الممنوحة - فقط - لأفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية ليست حكومية، إنما هي هِبة يقدمها مجتمع محافظ في غالبيته، يرى في «مظاهر» التدين صمام الأمان الذي يقي من العقوبة الربانية، لذلك أصبح الحديث عن أخطائهم جريمة في حق مستقبل يتم تصويره بأنه مظلم، غير محمود العواقب لولاهم. نعم لدستور السعودية الذي يقوم على هدي كتاب الله وسنة نبيه، ونعم لغلق الأبواب على ما يخدش الآداب العامة أو يهتك الحرمات، ونعم أيضاً لعدم انتهاك حق المواطن ببربرية مقيتة قوامها «نحن أحرص عليكم منكم!»، فليس السعوديون قُصراً أو معاتيه، وليست الهيئة قرآناً منزلاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. الأيام الماضية كانت صعبة على عموم السعوديين، ما بين مبرر - في سبيل الله - لتجاوزات أقل ما يقال عنها بأنها فضيحة! وبين من يريد معرفة ما له وما عليه في مقابل هذه اليد القوية، التي تسحق - باسم الفضيلة - كل الأصوات الداعية إلى محاسبتها، وما بين رأي تفارقه السماحة إلى التشديد والتشكيك والرغبة في التنكيل، وبين من يستحضر في هذا الخضم حديث عائشة: «فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله»، أو رؤية عمر بن الخطاب نحو عدالة اجتماعية أقوم عندما قال: لئن أعطل الحدود بالشبهات خير من أن أقيمها بالشبهات. زنى ماعز الأسلمي وهو محصن، فحضه رجل يدعى هزّال أن يذهب للنبي فيخبره بما أصاب، وتم ذلك بالفعل وأقيم الحد على ماعز، لكن النبي الكريم كان له توجيه عظيم في هذه القصة، إذ قال لهزّال: «لو سترته بثوبك - يعني ماعزاً - لكان خيراً لك»، فكف الناس عن الخوض في عرضه والحديث في ما صنع كان أولى عند النبي من إيقاع العقوبة عليه، كيف لا والنبي يقول: «هلا تركتموه»، مستنكراً إلحاح الذين رجموه على قتله حين حاول الهرب منهم. لا تخطئ عيون المتابع المنصف رغبة السعودية في إنجاح تجربتها للدولة المدنية، فهي ومنذ نشأتها تتدارك الأخطاء بالتصحيح، عبر سن القوانين التي تحفظ الحقوق، لتكفل للجميع عدالة التقاضي من دون تمييز ولا تحيز، فلا كرامة أمام الشرع إلا للحق، كما أن المتتبع لعمل جهاز الهيئة تحديداً، لا يجد بين يديه من سبيل لتقويم الهفوات أو قل السقطات المعيبة لبعض أفراده، والتي تصيبك بالدهشة أحياناً، بل والحيرة، إلا الدعوة لوضع قانون صارم يقضي بشكل نهائي على التجاوزات الحاصلة، ويُفشل محاولات التعالي على النقد والمحاسبة باسم الدين، وخصوصاً أن المخالفات التي يتناولها تمس سمعة خلق الله وشرفهم وأخلاقهم، وإذا كانت المادة 46 من نظام الإجراءات الجزائية قد نصت على أنه: «لا يجوز التفتيش إلا للبحث عن الأشياء الخاصة بالجريمة الجاري جمع المعلومات عنها، أو التحقيق في شأنها»، وإذ شددت المادة 49 من النظام نفسه على أنه: «إذا وجد رجل الضبط الجنائي في مسكن المتهم أوراقاً مختومة أو مغلقة بأي طريقة فلا يجوز له أن يفضها، وعليه إثبات ذلك في محضر التفتيش وعرضها على المحقق المختص»، فإننا أمام اختراقات كبيرة يتم ارتكابها بقوة العضلات لا النظام، وبكل امتهان لكرامة المتهم، كأن يتم تفتيش جهاز الجوال الخاص به بحثاً عن مسببات للتجريم لا تنتمي للمخالفة الأصلية، إلا من باب تتبع العثرات والعورات المنهي عنه شرعاً من الأساس، الأمر الذي يدعو للتساؤل: هل المقصود هو إنكار المنكر، أم إيقاع العقوبة؟! وإذا كان الشيخ محمد بن إبراهيم قد ميز أفراد الهيئة بأنهم «يقومون بما يقومون به غيرة وحسبة»، فإنهم اليوم موظفون لدى الدولة كغيرهم من الموظفين، يتقاضون رواتب ومكافآت على عملهم، وليس من العدل تنزيههم عن حظوظ النفس، إلا من قبيل المكابرة والعناد.
F-ALASSAF@ نقلا عن الحياة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up