رئيس التحرير : مشعل العريفي

الأسد يقتبس التجربة السريلانكيّة بالفرار من العدالة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

صحيفة المرصد:قارنت الباحثة في شؤون الأمن الدولي كايت كرونين – فورمان بين الأساليب الوحشية التي التي انتهجتها سريلانكا في حربها ضد نمور التاميل وتلك التي تستخدمها سوريا حالياً ضد المعارضين.
"جنودنا ذهبوا إلى جبهات القتال بسلاح في يد وشرعة حقوق الإنسان في (يد) أخرى"، هكذا استذكرت فورمان كلام الرئيس السريلانكي آنذاك ماهيندا راجاباسكا في مقالها ,وذلك بحسب موقع"24 الإماراتي" نقلاً عن موقع "وور أون ذا روكس" الأمريكي.
وذكّرت الكاتبة بأنّ راجاباسكا كرّر تلك المقولة على الرغم من أنّ اتهامات موثوق بها وُجهت إلى قواته بذبح عشرات الآلاف من المدنيين. وفيما توسعت الأدلة ضدّها، راحت حكومته تجادل لا في صحة تورطها وحسب، بل حتى في صحة حصول عمليات قتل شاملة. وتشير إلى أنّ الحكومات تستمر في البحث عن النصيحة من كولومبو في كيفية استخدام "نموذج راجاباسكا". لذلك، "لا مفاجأة ربما" في أنّ تحرك سوريا ضد الاتهامات التي طالتها بارتكاب جرائم حرب تشكل "صدى" لما حدث في سريلانكا.
نقاط التشابه فورمان تركّز على أقوال الأسد خلال رفضه لتلك الاتهامات التي وصفها بأنها "خالية من المنطق" لأنّ "الجيش السوري يتألف من الشعب السوري". ومع أنّ هنالك فروقات بين المسألتين السريلانكية والسورية إلا أن القواسم المشتركة واضحة ومن بينها أن سوريا دولة قوية مع جيش منظم تحارب ثواراً يسيطرون على مناطق مختلفة ويحظون بدعم شعبي. وفي حين أنّ عدد الضحايا المدنيين هو أكبر في سوريا، يبدو نمط العنف متشابهاً بالنسبة لفورمان من حيث التعذيب والقتل واستهداف المدنيين والمستشفيات وقوافل المساعدات واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً. وفي الحالتين تحدث المراقبون عن ارتكاب "فظائع جماعية".
الأخطر على الصحافيين التشابه بين المسألتين لا يقتصر على إنكار الاتهامات بشكل فاقع وحسب، بل إنّ دمشق استخدمت عناصر أخرى من قواعد العمل في سريلانكا حينها. وتبدأ فورمان بالنقطة الأولى وهي تقييد خروج المعلومات والأخبار إلى العلن بأقصى حدّ ممكن. في كولومبو تمّ منع المراسلين الأجانب ومنظمات حقوق الإنسان من الوصول إلى مناطق النزاع، وأصبحت سريلانكا واحدة من أخطر الأماكن على الصحافيين في العالم. وهكذا فعل نظام الأسد. ومع أنه لم يتم منع الصحافيين الأجانب من الدخول إلى البلاد، فإن الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها جيش الأسد محصور بصحافيين موافق عليهم سلفاً وتتم مرافقتهم من قبل مسؤولين عسكريين. اليوم سوريا تتصدّر لائحة الدول الأكثر خطراً على الصحافيين بسبب هجمات النظام ضدّهم.
الإنكار التكتيك الثاني الذي تكتب فورمان عنه هو إنكار المعلومات المحدودة التي يمكن أن تتسرب من مناطق النزاع. حكومة راجاباسكا وصفت جميع التقارير عن الضحايا بأنها حملة دعائية يشنها نمور التاميل حتى ولو أرفِقت بالصور والفيديوهات. واستخدم الأسد نفس الأسلوب عبر نفي وجود حصار لحلب سنة 2016، وقال حينها إنّ الأمر لو كان صحيحاً "فسيكون الشعب ميتاً الآن". وأنكر النظام الصور والأشرطة التي اظهرت الهجمات الكيميائية والبراميل المتفجرة وأساليب التعذيب التي انتهجتها قواته.
اتهام المعارضة من جهة ثالثة، وكما كان الأمر عليه في سريلانكا، نسبت سوريا جميع الجرائم التي لم تستطع إخفاء حصولها بأنها أفعال ارتكبها الثوار. وقال الأسد للصحافة العالمية إنّ معظم القتلى هم من مؤيديه. واتهم النظام أيضاً قوى المعارضة المسلحة باستخدام المدنيين كدروع بشرية، فيما برر استهدافه للمستشفيات والمدارس بكونها قواعد يستعملها "الإرهابيون" كقواعد عسكرية أو مخازن لأسلحتهم.
"سابقة مشجعة" وتشير فورمان إلى أنّ الحرب انتهت في سريلانكا منذ ثماني سنوات في مثل هذا الأسبوع من دون أي يحال أي مدني أو عسكري في سدّة المسؤولية إلى العدالة لارتكابه جرائم حرب. وهذا الحدث هو "سابقة مشجعة" للأسد. فنجاح المسؤولين هناك لم يعتمد على "إقناع" أحد بأنهم لم يرتكبوا جرائم حرب، بل اعتمد على نشر الضبابية والتشويش وتعقيد الصورة لتفادي أي تحرك دولي. وهذا الأخير، لو اتخذ طابعاً عسكرياً أو قضائياً ... كان ليكون "مكلفاً وصعب التنسيق". كما صوّرت سريلانكا حربها ضدّ "الإرهابيين" على أنها "ضرورة دولية" الأمر الذي خلق دعماً واسعاً لتحركها ضد نمور التاميل، أكان "علنياً أم ضمنياً".
الاستثناء لا القاعدة وما يحصل في سوريا شبيه بما حدث في سريلانكا. فنظام الأسد محميّ اليوم أكثر مما كان الأمر عليه مع حكومة راجاباسكا. ومع أنّه يُنظر بشكل واسع إلى الحرب في سوريا على أنها غير شرعية، فقد استفاد النظام من وجود مقاتلين متطرفين داخل المعارضة يرى المجتمع الدولي أن القضاء عليهم يحظى بالأولوية على إزاحة الأسد.
على مدى ست سنوات، تتابع فورمان، تساءل ناشطون حقوقيون ومقربون من الضحايا، عن عدد القتلى الذي يجب أن تؤدي إليه الحرب في سوريا قبل أن يتدخل العالم . "لكنّ التحرك الدولي هو الاستثناء عوضاً عن أن يكون القاعدة". وإذا نجحت سوريا بتفادي هذا التحرك كما فعلت سريلانكا، فإنّ شخصاً منبوذاً من العالم بأسره يمكن أن يفلت بارتكابه جرائم قتل جماعي، كما تخلص فورمان.

arrow up