رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

د.صالح بن سبعان: المفهوم الصحيح لفكرة التدريب والتأهيل المهني!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ما شاهدته بعيني ولمسته في الهيئة الملكية ومجمعاتها الصناعية ومرافقها التدريبية، رسخ قناعة ثابتة عندي، وقد ظللت ألح عليها في كل ما أكتب، وهي، أننا إذا استطعنا توظيف امكاناتنا على النحو المطلوب نستطيع أن نخلق نهضة حضارية نحن مؤهلون لها بكل المقاييس، ونحتل موقعا - في المنظومة العالمية - نحن جديرون به حقا. لا أريد أن أتمدد إنشائيا في مدح هذا الصرح الصناعي الشامخ، لقناعتي التامة بأن مهمة الأكاديمي والمفكر ليست هي التغني بمدح الأكفاء، ولكنها كلمة حق يجب أن تقال في حق كل من استطاع إرساء القيم المؤسسية في العالم، وسأحاول جاهدا - وبقدر ما يستطاع من الموضوعية - أن أحصر ملاحظاتي والأفكار التي عنت لي، في بعض نقاط. أي الطريقين نختار؟ ****************** الملاحظة الأولى، وبحكم عملي أستاذا جامعيا ومستشارا "سابقا" للمؤسسة التي تحمل على عاتقها أخطر مهمة في بلادنا، في هذه المرحلة، وهي المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، تتلخص في أن المدينة استطاعت ومن خلال برامجها أن ترسخ وتطبق المفهوم الصحيح لفكرة التدريب والتأهيل المهني . إذ لاحظت ومن خلال مطالعة سريعة لمناهج التدريب هناك أنهم يركزون بشكل مكثف على نوعية المخرجات، لا من حيث التأهيل المهني في التخصصات العملية فقط، بل أيضا وفي الخلفية الثقافية التي تشكل البنية التحتية للمتدرب، والتي تعينه مستقبلا في التطور العلمي، وتزيد من قابليته على التطور المهني في مجاله. خذ مثلا، أن المناهج هناك تركز في السنة الأولى على اتقان اللغة الإنجليزية، في وقت لازلنا فيه نتجادل حول تحطيم واحد من أهم الجسور التي تصلنا بالعالم في مناهجنا التعليمية، خاصة في مجال التعليم العام، تجد أن المتدرب هناك يكون قد فتح نافذة عريضة على العالم ، والعلوم العصرية من خلال اتقانه هذه اللغة العالمية الأولى، التي يفتح اكتسابها واتقانها الأبواب واسعة في وجه من يرغبون في تطوير مداركهم المعرفية والحرفية. ومن خلال احتكاكي، بحكم عملي كمستشار "سابق" للمؤسسة العامة للتعليم الفني والتأهيل المهني، وقد أكدت هذا في كل ما أكتب، بأن معاهدنا تقوم فلسفتها على أساس خاطئ، فهي أقرب ما تكون إلى الملاجئ التي تسوعب من فشلوا في الترقي في مسارات التعليم العام والعالي . وقد حاولت جاهدا، وما زلت، وسأظل، أؤكد على جدوى وأهمية التعليم الفني والتأهيل المهني باعتباره البنية التحتية لدولة مثل دولتنا تحاول استثمار قواها البشرية والعاملة بأقصى ما يكون الاستثمار والتوظيف .. وهذا ما توصلت إليه كل التجارب الناجحة في الدول المتقدمة لأن مخرجات هذا النوع من التعليم تعد هي الدعامة الرئيسة لعمليات التطور الصناعي والتقديم الاقتصادي. وسأظل أنادي بأننا نحتاج فعلا إلى تغيير نظرتنا لمؤسساتنا التعليمية "الفنية والمهنية"، وأن ذلك لا يمكن أن يتحقق ما لم نعمل على الارتقاء بهؤلاء الخريجين عن طريق التحفيز المادي الجيد والمكانة الوظيفية والاجتماعية المتميزة، وإلا فإن هذه المعاهد ستظل ملاجئ لا يلجأ إليها سوى المضطرون والضعفاء . تجربة في اتجاه التعميم: ********************* وقد علمت أن خريجي معاهد الهيئة تتهافت عليهم شركات ومصانع القطاع الخاص حيث يحظون بالأولوية في التعيين. وهذا حسب رأيي يعكس مسألة يجب أن نستوعبها طالما نحن لا نكف ليل نهار عن الحديث والجدل حول السعودة أو توطين الوظائف، ألا وهي، أن المشكلة في عدم التوطين، لا تكمن، كما يحاول الكثيرون اقناعنا، في القطاع الخاص، لأن القطاع الخاص الذي يتهافت على مخرجات التدريب والتأهيل التي تضخها معاهد الهيئة الملكية، هو القطاع الخاص نفسه الذي يحجم عن امتصاص مخرجات معاهد وكليات بل وجامعات الوطن الأخرى، وقد عبرت الكثير من أوراق العمل والأبحاث التي حاولت الاقتراب من أصحاب القرار في مؤسسات القطاع عن رأيها حول أسباب عدم استيعابهم لخريجي هذه المؤسسات التعليمية، إلا أن أحد لم يحاول التعامل بجدية مع آرائهم ومآخذهم على مستويات هؤلاء الخريجين، ولم يحاول حتى مقارنة هذه المستويات باحتياجات سوق العمل. لذا أعتقد أننا يجب أن نطرح هذه المسألة بشكل ملح الآن على ضوء تجربة معاهد الهيئة الملكية في التدريب والتأهيل المهني ليستفاد منها في إرساء أسس وقواعد بديلة للمعاهد العامة بالدولة، وعلى كل فليس هذا هو المجال الوحيد الذي يمكن أن تفيد منه الدولة والمجتمع من تجربة الهيئة الملكية ، فهناك كثير من الجوانب التي يمكن أن يستفاد منها من هذه التجربة الرائدة والعملاقة. أين التقصير إذن؟ *************** وإذا كان لنا من أخذ على القائمين على أمر تجربة الهيئة الملكية في عمليات التدريب والتأهيل المهني، فإنه ينحصر في أنهم لم يبادروا بفعالية وجدية من أجل تعميم هذه التجربة، بعد أن أثبتت جدواها، على بقية المرافق والمؤسسات الموازية لها في الدولة. وبالطبع فإننا لا يمكن أن نلقي اللوم كله على الهيئة التي لم تبادر بالسعي لتعميم تجربتها، لأن اللوم الأساس يجب أن يلقى علينا كأكاديميين وباحثين وعاملين ومتعاونين مع هذه المؤسسات العامة التي تنهض بعبء أو مسؤولية تأهيل وإعداد القوى البشرية والعاملة في الدولة، كما تقع على كاهل الجهات المتخصصة في التخطيط للقوى العاملة في الدولة، وليس الجهات المنفذة وحدها .. وهذا باب واسع لا يحتمل الحيز استيعاب تفاصيله. ولكن إذا كنا بالفعل ندرك حجم ما تبذله الدولة على التعليم والتدريب والتأهيل المهني من أموال طائلة، وامكانات قلما تبذل في كثير من الدول، فإنني أعتقد أن هناك تقصيرا من مختلف الجهات التي أنيطت بها هذه المسؤوليات، وهي كبيرة بكل المقاييس لإعداد القوى العاملة المؤهلة لسد احتياجات سوق العمل. ويمكن أن يكون هذا اقتراحا شخصيا مني كواحد من المسؤولين، سواء بحكم عملي أستاذا جامعيا، أو كمستشار لأهم المؤسسات التي تتحمل هذه المسؤولية، بأن يتم التنسيق العملي والفعال ما بين المؤسسة والهيئة وغيرهما من الجهات ذات الصلة والعلاقة المباشرة وغير المباشرة وعلى رأسها الغرف التجارية والصناعية بالدولة للاستفادة من تجربة الهيئة، والعمل على وضع أسس استراتيجية وبرامج عملية، وخطط عمل واقعية للربط والتوفيق العلمي ما بين مخرجات التعليم والتدريب المهني والفني وما بين الاحتياجات الآنية والمستقبلية لاحتياجات سوق العمل في المملكة. وبدون هذه الخطوة فإنني أؤكد بأننا نحرث في البحر ونمارس عبثا ونهدر موارد سنحاسب عليها في الدنيا في حياتنا وفشلا في تحقيق أهدافنا وطموحاتنا قبل أن نحاسب عليها في الآخرة على إهدارنا، دون طائل ما وهبنا الله. ألم يقل سبحانه وتعالى في كتابه الكريم متوعدا .. {ولتسألن يومئذ عن النعيم} .. نعم قالها وهو أصدق القائلين ..!

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up