رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

السعودة.. دعوا شعارها يكون آخر الأجندة !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لم يخالطني الشك قط بأن شعار السعودة بالطريقة التي نرفعها به، وما يصاحبها من قرارات عاطفية، غير مجد، ولا يمكن أن يحقق النتائج التي نرجوها رغم أن الهدف منه استراتيجي وحيوي، تمليه علينا أسمى دوافعنا الوطنية، ورغم أنه واحد من أهم القضايا التي ينبغي ألا نكف عن التفكير فيها بجد وعمق، لما لهذا الطوفان البشري من العمالة الوافدة من آثار سلبية تهدد كيان الدولة اقتصاديا وأمنيا وثقافيا. وقد تناولت بالبحث والتحليل ــ وفي أكثر من مكان ــ مخاطر هذا الطوفان من الجوانب كافة التي ذكرتها، من ناحية، كما تناولت نتائج السعودة ــ وبالطريقة التي نتعامل بها مع هذا الشعار ــ، باعتبار أن السعودة من أكبر وأهم الإجراءات الوقائية ضد تداعيات وآثار هذا التدفق البشري، من ناحية أخرى. وكان رأيي ولا يزال، أننا في الأغلب ظللنا نتعامل مع السعودة كشعار، ونطرحه كترضية اجتماعية، وليس كهدف استراتيجي، لا نعالج عبره فقط مشكلة احتلال العمالة الوافدة لسوق العمل مقابل تنامي وتزايد نسب البطالة بين أبناء الوطن. وإنما ــ أيضا ــ لأن النهوض الحقيقي بالوطن يجب أن يتم بسواعد أبنائه، وإلا فما معنى التنمية البشرية، إذا كنا نتحدث عن تنمية حقيقية شاملة، تعنى بالإنسان، وتتم على يديه، ويكون هو غايتها؟!. والحال أن ما نحتاجه بالفعل ليس مجرد رفع شعار السعودة تحت تأثير العاطفة الوطنية، إذ لا بد أن يسبق ذلك التفكير في كيفية تأهيل المواطنين بالمستوى الذي يجعلهم مؤهلين لاحتلال مواقعهم في سوق العمل. بعد أن ثبت وتأكد بشكل واضح أن تطبيق السعودة بالصورة اللاواقعية التي أربكت القطاع الخاص، كما أربكت، وربما بشكل أكثر وزير العمل والدوائر ذات الصلة، قد فشلت تماما. وسبب الفشل الأساسي هو أننا تعاملنا مع القضية كشعار يهدف إلى الترضية الاجتماعية، ثم إننا في محاولات تحقيقه وتطبيقه ركزنا على تحقيق الكم من التوطين ــ وعلى الورق ــ دون التحقق من النوعية والكفاءة المطلوبة لتلبية احتياجات سوق العمل الفعلية والنتيجة ــ كما هو متوقع ــ كانت أن القطاع الخاص، وهو الذي عليه المعول الأكبر في عملية التوطين بحكم أنه يمتص (95 %) من حجم العمالة في سوق العمل، وجد نفسه في وضع مربك وصعب للغاية، جراء قرار رفع نسبة التوطين (الإجباري) من ( 5 %) إلى (10 %) ثم إلى ( 20 %) وإلى أن وصلت إلى (75 %)، مع الإهمال التام بحاجة القطاع الخاص للعمالة السعودية المؤهلة وذات الكفاءة اللازمة لتشغيل الشركات والمصانع والمستشفيات والمرافق الإنتاجية والخدمية كافة. فبعد مواجهات وجدل بين وزارة العمل والقطاع الخاص، وما تمخض عنه من عقوبات بالغرامة وشطب السجلات والإنذارات تطبيقا للأنظمة، وجد أن عدد التأشيرات التي أصدرتها وزارة العمل خلال عام واحد ارتفع بنسبة (30 %)، في الوقت نفسه الذي يتزايد فيه عدد العاطلين وطالبي الوظائف، وتتراجع فيه الوزارة عن قرار سعودة سائقي الليموزين، مثلما تراجعت من قبل عن سعودة قطاع الذهب وحلقة الخضار، وتؤجل قرار تأنيث محلات بيع الملابس النسائية بسعوديات. ويبدو لك من الواضح أن سبب هذه الربكة يكمن في عدم تجسير الفجوة بين الوزارة والقطاع الخاص، رغم اشتراكهما وتلاقيهما في الهدف، وهو توطين سوق العمل. إلا أن الوزارة تصدر قراراتها منفردة، رغم اللقاءات التي تتم في إطار العلاقات العامة بين القطبين العام والخاص، بين حين وآخر، ولكن غياب التنسيق بينهما يبدو واضحا ولا يحتاج إلى اجتهاد. فالقطاع الخاص يدرك ولا شك دوره الوطني في توظيف العمالة الوطنية، إلا أن له هو أيضا متطلباته الضرورية في هذه العمالة وفي مواصفاتها العلمية والعملية من حيث التأهل والاستعداد وليس من العدل أن نطالب بإعالة جيوش من العطالة، بعضهم ينقصهم التأهيل، وبعضهم ينقصه الاستعداد للانخراط الجاد في سوق العمل. هذه المعطيات تفرض علينا بالضرورة أن نجري تعديلا في أولويات أجندتنا إذ لم يعد مطلب السعودة الذي يرفع كشعار عاطفي وبالطريقة التي يطرح بها مجديا بعد أن أثبتت الوقائع الماثلة فشله في تحقيق حلم توطين سوق العمل، وواضح فيما أظن أننا يجب ــ بعد إزاحة هذا الشعار إلى الوراء مؤقتا ــ أن نشحذ عقولنا وهممنا وأن نشمر عن سواعدنا، من أجل العمل على تأهيل أبنائنا علميا وعمليا وتربويا وثقافيا لدخول سوق العمل واقتحامه بقوة وكفاءة وجدارة. ويحسن بنا أن نسارع ونسابق الوقت، لأنه وإن كان من ذهب إلا أنه صارم وقاطع كالسيف.

arrow up