رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

( الحواظن) الجيدة ( تُفرخ) لنا مخارج مؤهلة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

مشكلة الخلل الاداري في جامعاتنا سهل و (مقدور عليه) الا أن المشكلة الكبرى تكمن في (الموصل ) أي الأستاذ ، درجنا على اختزال وظيفة التعليم في (الحفظ) وبالتالي أصبح التدريس مجرد تلقين. وظيفة المعلم هي أن يحفّظ (الطالب) أكبر قدر من المعلومات في المواد كافة . ووظيفة المعلم هي أن يلقن ، أو يلقم عقل الطالب هذا الكم من المعلومات وأن يحشو رأسه بها ، بعد أن تلقنها وحفظها معلمه من قبل . والكتاب هو الوسيلة الوحيدة في هذه العملية الدائرية الفارغة الجوفاء .
تستطيع أن تجد عذراً ، ولو مع شيء من التجاوز للمعلم في التعليم العام في تكراره لنفسه بهذه الطرق المعذبة التي تجعله يستهلك نفسه وعقله ، وإذ تتحكم على قدراته الإبداعية ليس مناهج التعليم العام فحسب ، بل وحتى مفردات المنهج المقررة سلفاً وتفاصيلها . إن بعض السلبيات التي كثيراً ما يشير إليها المهتمون بقضية التربية والتعليم عندنا في كتاباتهم ، سواءً اتفقنا أو اختلفنا حول الجوانب التي يشيرون إليها ، إنما – وهذا خطر آخر – تشمل سبل (التوصيل) ووسائله كافة ، وآليات عمليات التدريس التوصيلية وتقنياتها ، لأنها إلزامية منهجاً ، ليس فيها حتى الحد الأدنى من هامش حرية التصرف في مفردات المنهج . ربما يكون هذا شيئاً جيداً إذا كانت وظيفة التعليم والهدف الأول و الأوحد من العملية التربوية والتعليمية هي مجرد (الحفظ) . أي إذا كانت الفصول الدراسية مجرد مصانع الهدف منها أن تطرح للسوق أكبر عدد من (الشرائط) المسجلة التي تحفظ ما طبع عليها لتعيده وتكرره كلما ضغطنا على مفتاح التشغيل في الاختبار ، ثم نمحوه في نهاية العام الدراسي ، لنسجل عليه (مواد) الفصل الذي يليه .
ثم نعيد محو نفس الشريط وطبعه في المراحل التعليمية التالية كلها .. وإلى الجامعة بدرجاتها العلمية كافة . على الرغم من الأسى على هذا الوضع الذي فرض على المعلم في التعليم العام ، إلا أن الإنسان ليجدر له بعض العذر – مع شيء من التجاوز –لأن المناهج الصارمة التي فرضت عليه ، لم تتح له هامشاً ليكسر دائرة هذه الرتابة المتكررة بلا نهاية .
ولكنك لا تستطيع أن تجد مثل هذا العذر ، مهما اجتهدت ، للأستاذ الجامعي الذي يمارس على نفسه هذا الحصار ، دون أن يُفرض عليه من خارج .. لسبب بسيط ، وهو أن مفردات المناهج الجامعية التفصيلية ليست مقررة ، أو مفروضة سلفاً ومسبقاً عليه ، إذا يستطيع – خلافاً لمعلم التعليم العام – أن يصيغ أو يبتدع منهجه في إطار ما هو مقرر ، وأن يخلق ويبدع في هذا المنهج . ولكنه لا يفعل ذلك ! أتدري لماذا ؟ ارجع إلى فلسفة التعليم و وظيفته تجد الإجابة هناك . إنه : الحفظ ... والتلقين .. فالتسميع . في حين أن الوظيفة الأولى للتعليم أن يتعلم الطالب كيف يفكر ، وأن يتعلم كيف يطلق قدراته الإبداعية الفكرية الوجدانية من عقالها لتتفاعل مع الواقع ، ومع المحيط الخارجي ، تتفاعل قواه مع قضايا الواقع – الموضوع تخليلاً وتشخصياً لا تقيده أحكام مسبقة ، ومقارنة ، وتفكيكاً وتشريحاً ، وابتداع وسائل وطرق لحلولها ومعالجتها ، وهذا لن يتأتى إلا لعقل نقدي متحرر وشجاع . أما حفظ ما قاله من سبق من العلماء – في المجالات كلها – عن ظهر قلب والاكتفاء بترديده وتكراره في الأحوال كافة ، وعلى اختلاف الظروف ، فلن يعطي سوى ببغاوي خاو مرتهن ، أخضع سلطته على التساؤل لعقل غير عقله .
وعقل مثل هذا لا يمكنك أن تتوقع منه شيئاً أو إضافة ؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، كما قال السلف بحق . وربما يرجع جزء من هذا العجز عند الأستاذ الجامعي إلى تنشئته التعليمية في مراحلها العامة ، الابتدائية والمتوسطة والثانوية التي تركت بصمات آثارها السلبية في بنية التفكير عنده ، فأنتجت عقلاً ممتثلاً ، اتباعياً ، حافظاً ،دون تفحص لمضمون ما يحفظ ، عقلاً عطل وظيفة التفكير فيه ، ليردد عليك ما سُجل فيه ثم يحيل الطالب الجامعي إلى (المراجع) التي حشا هو ذهنه بها مسلماً لا ناقداً ولا متأملاً .. ودون أن يزود هذا الطالب بأدوات النقد والتأمل والتفكير وآلياته .. وهكذا دواليك . ولذا نحن إزاء هذا الوضع أمام معضل مزدوج :
- أولاً : عندنا مشكلة في مناهج التعليم يجب أن نراجعها ونعيد فيها النظر وفق ما يستجد ويستحدث في الواقع المتغير – محلياً وعالمياً – بشكل دائم .
– ثانياً : عندنا مشكلة في تأهيل الموصل تربوياً وأستاذاً جامعياً لنضمن (حواظن) جيدة ، (تفرخ) لنا مخارج مؤهلة ، وليس مجرد شرائط تسجيل . ولذا إذا ركزنا في نقدنا على التعليم العام في المناهج بالدرجة الأولى ، فإن نقدنا للتعليم الجامعي يجب أن يتجه إلى الأستاذ الجامعي لأنه محورها الأول بالامتياز .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up