رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

التفكير الطفولي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

عندما كان الإنسان في مرحلة الكهوف والتجوال والتوحش كان يظن أن كل شيء مرتب له أو ضده. يراقب الكون وغموضه وتناهيه في البعد فلا يجد تفسيرا. لم يكن عقله في ذلك الزمن قد بدأ العمل المنظم الممنهج.
يبحث عن الحل السريع فاخترع الاساطير، فصار كل شيء في الوجود له جواب.
العواصف والفيضانات والانهيارات والبراكين وغيرها تجدها منسجمة مع ما تقوله الأسطورة. أو أن الأسطورة جعلتها منسجمة مع حياة الناس.
تتجلى العقلية الأسطورية في عصرنا الحاضر أكثر ما تتجلى في نظرية المؤامرة. لن تلوم صاحب العقل الأسطوري عندما يتابع موقف الولايات المتحدة من الأحداث في سورية مثلا. من يمدني بجواب عن أهداف أوباما في المنطقة؟ تصريحات مطاطة وكلام يقول الشيء وينفيه ويتهرب من التصريح الصريح عن مصير الأسد أو عن مستقبل سورية، ثم يترك روسيا تفعل ما تريد وايران تخبط كما تشاء. رغم كل ما تملك أميركا من قوة نراها عاجزة عن القضاء على داعش. لاشك أن أميركا ترتب لشيء خطير في المنطقة (الفوضى الخلاقة) ولا شك بأننا الضحايا.
الكارثة السورية بالنسبة لنا كالبركان عندما ينفجر أمام عقل الإنسان القديم. لا يملك ذاك الإنسان البدائي قوة تساعده على تفادي الحمم الهادرة. ليس امامه إلا أن يرده إلى قوة غامضة خارقة لا قِبل له بها.
هذا العقل لا يستطيع أن ينعتق من اللحظة الحاضرة (مثل الطفل) لا يقرأ الأحداث في سياقها التاريخي ولا يملك الأدوات العقلانية التي تساعده على فهم الطبيعة التي تجري امامه.
يقرأ الأحداث أولا بأول وكما تظهر امامه.. لا تسمح له عواطفه ورغباته الساذجة ان يخرج إلى فضاء التفكير المؤلم.. يتجنب الأسئلة المخيفة مثل: ما مصلحة أميركا من التدخل العسكري في سورية واقتلاع الأسد؟
وما مصلحة أميركا من الفوضى الحاصلة في سورية، ثم لماذا تخسر أميركا رصاصة واحدة لاقتلاع حكومة أو تعيين حكومة؟
تركت أميركا الشاه ينهار وهو حليفها المخلص فتتالت نظريات المؤامرة، وفي الأخير ها هم الملالي المتنمرون جاءوا على ركبهم ساجدين أمام البيت الأبيض دون خسارة رصاصة واحدة. وهذا ما يحصل في ليبيا، وما يحصل في مصر وما يحصل في سورية أيضا.
أميركا او الغرب لا يصنعون الأحداث ولكن الأحداث تسير وفقا لأهدافهم. إذا تقاتل المغفلون فالسلاح من الغرب، وإذا تصالحوا فالبضائع من الغرب، لا يحتاج الأمر إلى مؤامرة. الغرب مركز الكون. وإذا كانوا يتقاتلون فهم يتقاتلون فيما بينهم لجعل الأحداث تسير وفقا لمصلحة تلك الدول أكثر.
الزاوية الثانية التي لا يستطيع أن يراها العقل الأسطوري هي تاريخ المنطقة نفسها. فكما قلنا عقل الطفل لا يسمح له أن ينظر إلى الماضي أو المستقبل.
لا أحد قال لنا يوما إن الوضع العراقي المضطرب هو وضع العراق الحقيقي قبل أن يأتيه الاستعمار الغربي.. هذا الوضع هو ما تركته الخلافة العثمانية التي يبكي عليها دعاتنا الأفاضل.
العراق الذي نتباكى عليه هو من اختراع رجل بريطاني اسمه ونستون تشرشل. لملم تشرتشل أراضي من هنا ومن هناك وفصل لنا شيئاً اسمه العراق. وعلى هذه الغيبوبة التاريخية نتهرب من المعرفة المؤلمة: أن كل ما يجري من صراع في المنطقة تغذيه مكونات محلية. لا يتقاتل في سورية الشيوعيون مع الليبراليين مع المحافظين. القاتل والمقتول من ميراث المنطقة الاصيل. سنة شيعة علويون دروز أكراد عرب.. الخ لا شيء من خارج المنطقة. لم تخترع أميركا أيا من الأحقاد النشطة. تغيرت الظروف الإنسانية فحدثت انتفاضات فانهارت المباني الخربة على رؤوس أصحابها. نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up