رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

جنون العظمة وسكرة السلطة!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا نظن أن العقيد الراحل معمر القذافي وشعبه كانا في حاجة إلى كل هذه المعاناة، أو في حاجة إلى هذه المأساة وما حفلت به فصولها الدموية من موت وخراب ودمار، إلا أن كثير من الناس فيما يبدو يفتقرون إلى الحكمة ويعانون من فقدان الذاكرة المزمن وليس مجرد ضعفها. لقد سألت نفسي وأنا أتابع عبر الشاشات الفضائية الفصول الأخيرة لهذه المأساة والتي انتهت بمشهد مؤسف ظهر فيه "، مضرج الوجه والملابس بالدماء والغبار، وأيدي مقاتلي المجلس الوطني تتجاذبه دفعا وضربا، لينتهي جثة هامدة في عربة نقل صغيرة وقد فارقتها الحياة.
لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني لحظتها صورة غير بعيدة للرئيس العراقي السابق صدام حسين مشابهة لصورة العقيد (غفر الله لهما)، وقفز إلى ذهني سؤال: كيف لم يتعظ ويعتبر هذا بمصير سابقه؟. لقد رأى العقيد بعينيه وتابع مشاهد فصول الثورتين في مصر وتونس، ثم في اليمن وسوريا ، ولا بد انه استخلص منها درسا ، كان هو العامل المشترك بينها، فهي أحداث معاصرة ولا تحتاج إلى قراءة في كتب التاريخ، فما أضر بسابقيه ولاحقيه سوى عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كان يمكن أن تنتهي أحداث مصر على نحو آخر لو أن الرئيس المصري السابق اتخذ قراراته بعدم الترشح والتوريث وغيرها من القرارات اللاحقة في منذ بداية الاضطرابات ، كما كان بإمكان بن علي تشكيل لجنة تحقيق في الحادث الذي دفع بوعزيز إلى الانتحار حرقا ومعاقبة المسؤولين عن ذلك من منسوبي الجهاز الحكومي وينتهي الأمر بذلك، ولكنهما لم يفعلا ذلك فأخذت كرة الثلج تكبر ، والآن ترى الرئيس اليمني يفعل الشئ ذاته بتلكؤه في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية التي ضمنت له طوق النجاة، وهو ذات السلوك السياسي للرئيس السوري ، والخطأ هو ذاته لا يتغير "عدم اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب".
شئ ما هنا يجعلك تسأل نفسك : لماذا يفشلون دائما في هذا ، رغم أن السوابق التي عايشوها تؤكد بأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجنبهم مصير السابقين ممن كانت نهاياتهم مأسوية، ويجنب شعوبهم الفوضى والعنف الدموي، ويجنب البلاد تداعيات الفوضى وانفلات الأمن الذي يمكن أن يؤدي إلى تمزيقها وتفتت وحدتها؟!. دعك من الحديث المعاد والمكرر عن جنون العظمة وسكرة السلطة الذي يعشي الإنسان ويعمي قلبه رغم صحته ، لأن الأمور حين تبلغ حدا من الخطورة يهدد حياة الإنسان نفسه وحياة أهله وعياله فان هذا كفيل بأن يعيد إليه بعض رشده ليفيق من سكرته ويعود إلى أرض الواقع ويرى الأشياء على حقيقتها لا كما يريد هو أن يراها أو يتصورها، وهنا تحديدا مربط الفرس كما تقول العرب ، لأنك ستسأل نفسك : ما الذي يجعلهم لا يرون ما يراه الناس وهو واضح؟ وما الذي يحول بينهم وبين الإفاقة من سكرة السلطة وفتنتها ليروا الواقع كما هو؟!.
يبدو لي والله أعلم، ولكن هذا ما نشاهده في القيادات التنفيذية في كل مكان، إن الاعتماد الكلي على ما ينقله الموظف التنفيذي للمسؤول من صور حول واقع المؤسسة أو المرفق المعين دائما ما تشوبه شائبة من عدم المصداقية ، لأن الموظف ينقل الصورة التي يريدها المسؤول ويتمناها، فحرصه على وظيفته ومكانته يمنعه من أن يكدر صفو رئيسه بنقل صورة لا يرضاها أو لا يريدها، ومن ثم يكون المسؤول وصورته عن الواقع في واد والصورة الحقيقة للواقع في واد آخر، ليجد المسؤول نفسه في مواجهة النتائج لوحده.

arrow up