رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

حرفية " الجزيرة" للتذكير فقط ..

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الحِّرفية العالية التي تعاملت بها قناة الجزيرة مع خبر اغتيال الرئيس الشيشاني السابق سليم بندر ياييف "قبل سنوات" اثر انفجار سيارته في منطقة الدفنة بالعاصمة القطرية الدوحة يثير أكثر من سؤال حول مصداقية أو أصالة هذه الحِّرفية. فقناة " الجزيرة" ظلت مثار جدل، ليس بين الإعلاميين وحدهم، بل بين السياسيين ومتابعي الأخبار. إذ أن تغطيتها الخبرية لكبرى وصغرى الأحداث العالمية والعربية تعرضت للتأويلات المختلفة، وما بين معارض ومؤيد بشكل مطلق، دون أن يكلف أحداً نفسه مهمة التأمل والتفكير والتساؤل في الجانب المهني من المسألة. فثمة من اتهمها بالانحياز لتنظيم القاعدة وحكومة طالبان نظراً لتغطيتها لأخبار وأحداث الحرب الأمريكية على أفغانستان، والتي كانت ملاصقة لوجهة نظر الطالبانيين، حتى أن مراسلها في تلكم الحرب "تيسير علوني" تعرض للاعتقال من قبل السلطات الأسبانية بتهمة أنه موالٍ بطريقة ما لتنظيم القاعدة.
وقد إتضح فيما بعد أن السلطات الأمنية الأسبانية كانت تحاول ابتزازه معلوماتياً لظنها بأنه يمتلك كماً من المعلومات عن تنظيم القاعدة وحكومة طالبان، يمكن أن تفيد المخابرات الأمريكية، وأن اعتقال علوني كان بغرض استخلاص ما عنده من معلومات عن التنظيم. كما أن بث " الجزيرة" لأشرطة بن لادن، وصدام حسين فيما بعد، رسخ لها مكانة إعلامية متميزة دون القنوات العربية وغير العربية الأخرى . وكادت " الجزيرة" أن تصير عنواناً للمصداقية بسبب مواقفها تلك، وقد حُسب لصالح مصداقيتها إنها تعرضت للنقد من كل المعسكرات المتحاربة في ساحة ما يعرف بـ " الحرب على الإرهاب" في العراق. فلا هي نالت رضا أمريكا. ولا هي نالت رضا السلطة العراقية المؤقتة. ولا هي نالت رضا الأنظمة العربية الحاكمة. لسنا من مؤيدي أسامة بن لادن. ولسنا من مؤيدي أمريكا في حربها الغبية على الإرهاب والأسلوب الذي تتبعه في ذلك. هذا يجب أن يوضع في الاعتبار في المقام الأول. إلا أن " الجزيرة" ومواقفها يجب أن توضع في مقعد المساءلة والتقويم لأنها تثير العديد من الأسئلة المهنية. إذ طالما كان " الحدث" خارج مجالها المكاني، كانت "الجزيرة" تمارس مهنية مثيرة للجدل، سواء في أفغانستان أو العراق، أو في السودان حيث اعتقل مراسلها " إسلام صالح" الذي يحسب على التيار الإنقاذي الحاكم في السودان. إلا أن المحك الحقيقي لمدى حرفية " الجزيرة" استبان عقب عملية اغتيال الرئيس الشيشاني السابق سليم خان بندر ياييف في قطر الدولة المضيفة والممولة لقناة الجزيرة. في تغطيتها لهذا الحدث مارست الجزيرة مستوىً عالٍ من الحِّرفية وهي تتعامل معه. فقد أوردت الحدث بصورة خبرية محضة ومجردة. ثم ألحقته بوجهتي النظر : المعارضة الشيشانية والحكومة الروسية، بعد أن عرضت الخبر من خلال الرواية القطرية الرسمية. ثم قامت الجزيرة مباشرة بما يسمى إعلامياً بعملية " دفن الحدث"، إذ أصبح الخبر يذاع ليس كخبر رئيسي رغم أهميته الكبيرة، وإنما كخبر ثانوي لا قيمة ولا أهمية له. هنا تحديداً توضع مصداقية الحِّرفية الإعلامية على المحك. السؤال ينطلق من : إلى أي مدى تمثل هذه القاعدة في التعامل الإعلامي منهجاً لقناة " الجزيرة"؟! للإجابة على هذا السؤال دعنا نجري مقارنة مع أخبار أخرى. خذ مثلاً خبراً مثل حادث الجمرات في مناسك حج هذا العام بمكة المكرمة، لقد تجاهلت قناة " الجزيرة" تماماً وجهة النظر الرسمية واعتمدت في تغطيتها للحدث على اجتهادات فردية، يبدو أنها اختارتها بعناية من أجل إيصال رسالة إلى المتلقي تحاول إلقاء اللوم على السلطات الرسمية، أو تؤكد تقصيرها وعدم كفاءتها. هذا النمط من التناول الإعلامي الذي يجافي ابسط أبجديات التعامل الحرف مع الأحداث يكاد يكشف نفسه في كل ما تتناوله قناة " الجزيرة" من أحداث جارتها المملكة العربية السعودية. إذ يبدو واضحاً أنها تعتمد منهج الكيل بمكيالين مع أحداث المملكة. ويبدو هذا واضحاً حين نستعرض أسلوبها في التغطية الخبرية، إذ نجدها تسارع إلى استضافة من يمثلون ما يسمى بالمعارضة للنظام السعودي، وتعمد في نفس الوقت إلى حجب وجهة النظر الرسمية وتعتيمها عن عمد، وعدم إعطاء وجهة النظر مساحة كافية من التغطية. توجه الجزيرة هذا التعامل مع الشأن السعودي لا يقتصر في اختلاله على المواد الخبرية، بل يمتد ليشمل البرامج الحوارية التي تتناول قضايا المملكة، حيث تجدها في أغلب الحالات تستضيف سعوديون لا يملكون القدرة ولا القامة الملائمة لتمثيل وجهة النظر السعودية الرسمية أو الشعبية. الأمر الذي يؤكد وجود "نية مبيتة سلفاً ومسبقاً" لإدانة النظام الرسمي للملكة، وتشويه الحقائق، وعدم إبرازها للمشاهد. بما يخل بمبدأ الحرفية وينسفه من أساسه. خاتمة خلاصة القول إن قناة " الجزيرة" مجرد صدى لصوت ما، وهي ليست بذلك التجرد الذي تحاول أن تسبغه على نفسها من خلال لافتة " الحرفية" التي تحاول إيهام الجميع بها. ولو حاول مشاهد ذكي للجزيرة أن يرصد " كمها" من المواد الدينية لفهم شيئاً، وهذا ما سنحاوله في مرة أخرى إن شاء الله. ولو حاول أن يرصد " نوعية" موادها الدينية لفهم أشياء. فقد لفت نظري أنها تحاول أن تفسح أكبر مساحة من خلال برامجها لما يسمى بتيار الإسلام السياسي، ولعل إطلالة أكبر رموز هذا التيار الشيخ يوسف القرضاوي الذي يحمل الجنسية القطرية الدائمة كضيف ثابت وأوحد على برنامج " الشريعة والحياة" يمثل أكبر دليل على هذا التوجه الذي لا يبدو بعيداً عن توجهات الحكومة القطرية التي منحته جنسية بلدها. و يوشح الأمر بشكل أفضل إذا وضعنا في الاعتبار أن الشيخ القرضاوي يحاول أن يطرح نفسه ويحتل موقع المرجعية الدينية الأولى والرئيسة بديلاً لشيخ الأزهر، وأن فتواه أثارت الكثير من الجدل خاصة حول العمليات الإرهابية أيا كان مسماها : جهادية أو انتحارية أو فدائية. على كلٍ . الحرفية ليست – ولا ينبغي لها أن تكون- محلاً للمزايدة او الترويج أو التسويق السياسي. ولا يمكن أن تكون حصاناً سياسياً للاختراق، و الاصطياد في الماء العكر. فهل للجزيرة – ومن يقوم عليها- أن يعوا ذلك؟؟

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up