رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

وامتازوا اليوم أيها الصامتون

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يكثر حديث الناس هذه الأيام في ملتقياتهم الافتراضية والواقعية عن سر (إحرام) بعض الدعاة والوعاظ عن الكلام وامتناعهم عن إبداء الرأي فيما يجري الآن من أزمة ملتهبة مع قطر وضلوعها في العمليات الإجرامية ضد المملكة العربية السعودية وبقية الدول المقاطعة للسلطات القطرية. الاستغراب الجمعي الواسع يبرره أن هذه الشريحة الموقرة درجت على الخوض في كل شاردة وواردة بالإنكار أو المباركة، سواء كان الأمر صغيرا كعباءة الكتف وقطار المشاعر، أو كبيرا كأزمة الكويت قديما وعاصفة الحزم حديثا، وتولي محمد مرسي حكم مصر. ما دعاني أيضا لمقالة اليوم هو مشاهدتي مقطع خطبة لأحد الوعاظ يغالط فيها الحقائق ويدلس على المستمعين، فيذكر أن مواقفهم كانت مشرفة في أزمات الوطن مثل أزمة الكويت وعاصفة الحزم وغيرهما. وهذا والله محض افتراء -خاصة في أزمة الكويت المفصلية - وما قاله هو تلبيس للحقائق بغير لبوسها على صغار السن الذين لم يشهدوا الأحداث أو الكبار الذين شهدوها لكن ذاكرتهم إما ضعيفة أو مختطفة. في أزمة الكويت (الحرب الخليجية الثانية) وقف كثير من الوعاظ موقفا سلبيا خذلوا فيه الوطن أشد الخذلان، و«يومها كنتُ من أتباعهم». اعترضوا على قرار المملكة في الاستعانة بالقوات الأجنبية وشحنوا العامة وألّبوا المجتمع وعارضوا فتوى هيئة كبار العلماء التي أجازت القرار وعلى رأسهم الشيخان الجليلان ابن باز وابن عثيمين، رحمهما الله. في حينها تسيّد أولئك الوعاظ المشهد الخطابي، وكان يَصْدق على كل واحد منهم القول السائر «مالئ الدنيا وشاغل الناس» لامتلاكهم قدرات عالية في فنون الإلقاء والفصاحة والبلاغة والأصوات الجهورية. تولى كثير منهم منابر الجمعة والمحاضرات والدروس في وسط البلاد وغربها وجنوبها، يستنكرون ويثيرون الناس على قرار الدولة في الاستعانة بالقوات الغربية، معتبرين ذلك موالاة للمشركين المفضي للكفر البواح. أرعبوا الناس آنذاك وصوروا لنا أن دخول القوات الأجنبية لبلادنا هو احتلال صليبي لبلاد الحرمين، ولن يخرجوا منها أبد الآبدين، وسترون بأم أعينكم الكنائس والمعابد ودُور الخمور والمواخر. استخدموا حينذاك أسلحة الكاسيت والمطويات لنشر خطبهم ومحاضراتهم التي كانت توزع بعد صلوات الجمع وعند محلات التسجيلات الإسلامية التي كان الناس -وأنا أحدهم- يصطفون طوابير للحصول على جديدهم مهما كلف الثمن. انتدب إليهم كبار العلماء بعض الفضلاء لمناصحتهم والرجوع إلى الصواب، خاصة أنهم في مقتبل العمر والعلم لكنهم أبوا وتعنتوا. ظهر قلة من طلاب العلم ضد هؤلاء وساندوا كبار العلماء في جواز الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت، وكان منهم ربيع المدخلي ومحمد أمان الجامي وعبدالعزيز العسكر. الأخير أورد في أحد خطبه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «إذا جاءكم من يريد أن يفرق جمعكم، وأمركم جميع، فاقتلوه كائنا من كان». فُهم منه أنها مطالبة صريحة بقطع رؤوس أولئك الوعاظ المشاغبين، انتشر هذا الخبر المرعب رغم أنه كان من باب التحذير فقط حسب توضيح الشيخ العسكر نفسه. هؤلاء القلة رغم أنهم أقل شعبية وحضورا إلا أنهم ناكفوا الأكثرية من الدعاة والوعاظ المعارضين، وتولوا بسط جواز المسألة بالحجة والبرهان، فما كان من هؤلاء المخالفين إلا أن لمزوهم وأتباعهم بـ«المداخلة والجامية» نسبة لربيع المدخلي ومحمد أمان الجامي. من هنا بدأت هذه النعوت وأشهرها «الجامي أو الجامية» والتي يطلقونها على كل من يصطف مع الوطن وولاة الأمر في القرارات المصيرية. هؤلاء «الجامية» أطلقوا على أولئك لقب «السرورية» نسبة لـ«محمد سرور زين العابدين» الداعية السوري الذي تتلمذ على يديه كثير من الدعاة المناكفين للدولة. السخرية والتنابز بالألقاب لم يسلم منها في تلك الأزمة أحد، حتى كبار العلماء تم لمزهم بعلماء السلاطين. في عاصفة الحزم 2015 كان لتلك الشريحة المناكفة موقف كاد يودي لفتنة طائفية، حيث وصفوا الحرب في اليمن بأنها حرب عقدية ضد المذهب الشيعي المتمثل في الحوثيين، الأمر الذي دعا ولاة الأمر والمتحدثين الرسميين لتصحيح هذا المفهوم، وأن عاصفة الحزم هي لإعادة الشرعية في اليمن الشقيق، وتحييد دور إيران في المنطقة، وليس للحرب علاقة بالمذهب الشيعي الذي يعتنقه مواطنون سعوديون أيضا. وفي الأزمة الحالية مع دولة قطر وقف الجميع مع الوطن عدا تلك الشريحة التي ارتأت الأخذ بمبدأ لزوم الصمت عند الفتن، بينما هم في الفتنة سقطوا. الملفت أن أحدهم خرج من صمته -وتلاه آخر- بعد مضي أسبوعين على الحدث بتغريدات أُريد منها تسجيل موقف، بينما لا يظهر منها سوى التفاف على الموقف. عموما، المثل يقول «الرمح على أول ركزة»!
نقلا عن الوطن

arrow up