رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. محمد العوين
د. محمد العوين

صور من متناقضات قطر!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا يستطيع من يتابع سياسة قطر، بدءًا من انقلاب الابن حمد على أبيه خليفة في 27 يونيو 1995م، أن يفهم أو يستوعب اتجاه قيادة قطر السياسي أو الأيديولوجي، إلى أين هي ذاهبة؟ وفي أي طريق؟ وما هي غاياتها أو رسالتها؟ وهل تتصرف في سلوكها السياسي والفكري وفق رؤية ذاتية واقتناع تام بما تفعل أم أنها ألعوبة في أيدي دول أخرى إقليمية وعالمية، توجهها إلى تحقيق ما تخطط له وتمنيها بمنحها نصيبًا ولو يسيرًا من الكعكة؟! يحار الباحث السياسي في أمر هذه القيادة الممثلة في «الحمدين» بعد الانقلاب المشؤوم الذي حول قطر من اتجاه إلى نقيضه، وأدخلها في معمعة الصراعات السياسية والعسكرية، وأوقعها في أتون اللهب في كل منطقة نزاع أو اضطراب سياسي، وحتى بعد تغيير حمد بن خليفة وإبعاد حمد بن جاسم عن الواجهة الذي لم يكن اختيارًا، بل كان نتيجة ضغوط هائلة، أو لنقل فرض فرضًا بعد انكشاف تآمرهما مع القذافي، لم يتغير مسار سياسة قطر، وأكمل «تميم» الخطط الموضوعة والأهداف المرسومة من الحمدين، ومارس أسلوب المراوغة والتهدئة أحيانًا، والاستجابة الجزئية أحيانًا أخرى لما طلب منه بعد اتفاق 2014م، ولكنه واقع تحت ضغط المنحيين ومن يدور في فلكهما من رموز جماعات وتيارات متنفذة في قطر. من يستطيع أن يصف أو يصنف ولو بكلمات معدودة في سطر واحد اتجاه هذه الدويلة؟! من يستطيع أن يعرف مذهبها السياسي أو الأيديولوجي أو يقرأ أهدافها أو يفسر تحركاتها أو يعي معنى اندفاعاتها أو يستوعب كيف تمارس ألاعيبها الخفية والمكشوفة على المسرح السياسي العربي أو العالمي؟! ولأضرب أمثلة سريعة صارخة، تكشف ازدواجية القيادة في قطر، وانفصامها النفسي، أو حالة اللوثة العقلية أو المراهقة المتأخرة المدفوعة بنشوة المال والبحث عن دور مفقود، يستحيل أن يتحقق بسلوك صبياني يدوس قيم الوفاء بحقوق الأخوة والجوار والمعاهدات والشراكة في مجلس التعاون الخليجي. من الأمثلة على الانفصام النفسي في السياسة القطرية بعد انقلاب 1995م: يبني حمد بن خليفة جامعًا كبيرًا فخمًا في وسط الدوحة، ويطلق عليه اسم الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وفي الوقت نفسه يتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين، ويحتضن رموزها، ويحمي الفارين والهاربين من دولهم، ويجعل من الدوحة ملجأ لهم، ويمنح أحد أكبر رموزهم (يوسف القرضاوي) الجنسية القطرية. يمارس حمد بن خليفة دورين متناقضين؛ فهو سلفي وإخواني في آن معًا، ربما لا يكون سلفيًّا حقيقيًّا بالمعنى الحرفي لمصطلح السلفية، ولكنه يريد من خلال هذا الجامع واسم ابن عبد الوهاب أن يبعث برسالة اطمئنان إلى قيادة المملكة بأن احتضانه جماعة الإخوان ورموزهم لا يتعارض مع اتجاه قطر السلفي القديم، ولكنها رسالة مخادعة ومكشوفة، لا تنطلي على ذوي الفطنة والإدراك العميق لبواطن ودوافع السلوك المضطرب؛ فالنشاط الفكري الذي يقام باسم جامع ابن عبد الوهاب والأسماء التي تدعى للخطابة فيه لا يمكن أن تخفى انتماءاتها الفكرية والحزبية على أحد. وإذا كانت قطر سلفية وإخوانية في آن معًا، ومحافظة ومنفتحة في آن معًا، وملتزمة برعاية متطرفين دينيًّا وإرهابيين مطاردين، لا يمكن أن يتفقوا مع خطوات الانفتاح العشوائية التي لم يعهدها الشعب القطري قبل عقدين من الزمن؛ فإنها أيضًا تضم إلى جانب المتطرفين رموزًَا أخرى تتصادم معهم، كالرمز الذي يقود مفهوم التغيير بإطار قومي علماني الإسرائيلي الجنسية عزمي بشارة! قطر تحتضن حماس، وتدعي أنها تنتصر للفلسطينيين، وتدافع عنهم، وفي الوقت نفسه تفتح مكتبًا تجاريًّا لإسرائيل في الدوحة، وتقيم علاقة ود ومحبة وزيارات متبادلة مع شمعون بيريز وليفني وغيرهما. قطر تحارب جماعة الحوثي والمخلوع علي صالح ضمن التحالف العربي كما تدعي، ولكنها تستضيف قيادات الحوثي في أفخم فنادق الدوحة، وتنفق عليهم، وتنسق معهم، وتتولى مهمات تخفيف الضغط عليهم حين تشعر بانكسارهم، وتمارس دور المخبر لصالحهم، ودور الراعي الممول لهم! أما علاقة قطر بإيران وتركيا فحكاية مرة، سيأتي الحديث عنها لاحقًا.
نقلا عن الجزيرة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up