رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

هل في ديننا فسحة أم ذبحة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قرأت لأحد المختصين في الشرع وعلومه لقاء صحفيا سابقا له يقول لو كنتُ إماما لأحد المساجد وقلتُ للناس في يوم العيد ارقصوا في هذا المسجد لقتلوني في منزلي. هو يشير لما حدث يوم العيد في العهد النبوي، وكان عليه الصلاة والسلام يسأل عائشة (أتحبين أن تنظري إليهم)؟ فتقول نعم، فيرفعها وراءه لتشاهد الرجال يلعبون. تقول الرواية، عند البخاري ومسلم، (فأقامني وراءه خدّي على خدّه)، ولم يُنزلها حتى ملّت هي رضي الله عنها. وعلى اختلاف في ثبوت أن المشهد كان في المسجد النبوي أو خارجه إلا أن الثابت إقراره عليه الصلاة والسلام مظاهر الفرح، وجواز اللعب والرقص المحتشم في أيام العيد والمناسبات لتعلم الناس أن في ديننا فسحة. في أول يوم العيد كنت في متنزه عام واستوقفت أحدهم -يحمل بطاقة جهة مشاركة في الفعاليات-، سألته عن أحد برامج احتفالات العيد، فقال متهكما: (هم هناك يتراقصون)، فقلت ألم يقرهم النبي عليه الصلاة والسلام، وهم يلعبون ويرقصون في يوم العيد ويرفع أم المؤمنين لتشاهدهم؟ فانصرف. قلت لعله يقصد الرقص المائع على أنغام الموسيقى، فذهبت لأجد فرقة شعبية ترقص بالسلاح الأبيض رقصات من أرض الوطن مشابهة لما جاء في الرواية السابقة. السؤال هنا من الذي أوصل المجتمع إلى هذا التشدد لدرجة أن أحدهم قد ينكر رواية في البخاري ومسلم؟ وهل سمعها أصلا؟ أم أن مشايخه كتموها عنه وعن المجتمع بأسره لأنها لا تخدم التوجه الفقهي السائد. من الذي أوصل المجتمع لهذا الغلو والتزمت ليبحثوا، أيها الشيخ الفاضل، عن منزلك ليقتلوك في حال صرّحت بفعل مباح حصل في عهد النبوة وعلى مرأى ومسمع من النبي الكريم؟ من الذي قدّم، يا رعاك الله، تلك الفتاوى الضالعة في التصلب والإقصاء حتى نتج عنها التهديد بالقتل للمخالف؟ ألسنا نحن، من قدّم هذا في خطبنا ودروسنا ومناهجنا؟ قد يعتقد البعض أن ما قاله فضيلته من باب المبالغة في الوصف أو المزاح، لكن هذه المبالغة -بالتأكيد- صادرة عن تصور داخلي للحقائق في العقل الباطن تخرجه أحيانا فلتات اللسان، وقد قيل «عقل الرجل مدفون تحت لسانه»، سيما أن قوله هذا تعززه تصورات ليست عنا ببعيدة. ثم لماذا ترتفع وتيرة الصوت في شأن التحريم بحجة خشية الله تعالى وحده وبيان العلم وعدم كتمه، بينما تختفي في حضرة بيان الإباحة والجواز وتغلب هنا خشية الناس ومخافة لومهم وربما القتل! الاندفاع القوي والشجاعة في الصدع بالحق يحضران بقوة عند الكثير في جانب التحريم، بينما يغيبان -غالبا- في حال تصحيح ما كان يُعتقد أنه محرم، خصوصا حين يكون المجتمع قد تشرب تحريم تلك المسألة. وحين تظهر شجاعة البعض، وهم قلة، نرى سياط النسق الفقهي والمجتمعي تخدش في علم ومعتقد المتكلم، وقد تصل إلى العنصرية والمناطقية وأطياف البشر وألوان البشرة كما حدث لفضلاء صرحوا بجواز الغناء والمعازف وقضايا المرأة، كالتعليم والعمل والقيادة وكشف الوجه. ومن الأمور التي تدعو لصنوف الدهشة وعلامات الغرابة أن مجتمعنا لديه القابلية والمرونة في قضايا التحريم وعدم الجواز أكثر بمراحل من قابلية الإباحة والتحليل، لذا ينحو -أفراد المجتمع- إلى الأكثر تشددا في الفتوى ويطمئنون إليه أكثر ويقتفون أثره، لاعتقادهم أنه هو الأغزر علما والأشد تقوى، رغم أن القاعدة الفقهية تقول -الأصل في الأشياء (الدنيوية) الإباحة، والأصل في العبادات التوقف-! إن الأصل في كل ما يخص الحياة الدنيا من مطعوم وملبوس وسلوك ومعاملات هو الإباحة المطلقة حتى يرد الدليل على تحريمها بمقتضى آيات كثيرة منها {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا}. بل إن الله -جل في علاه- قد أنكر على من يحرم ذلك من تلقاء نفسه {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}، ثم ذكر أن المؤمنين أولى بها مع تمتع غيرهم أيضا بها {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة}. وفي المقابل فإن الأصل في العبادات هي التوقف عن عملها حتى يرد الدليل على فعلها. غير أن واقعنا يشهد العكس تماما، فنحن نرى أن الأصل في أمور الدنيا هو التحريم، لدرجة أنه لا يستطيع أحدنا فعل شيء حتى يبحث عن جوازه، بينما لو شاهد عبادة يتعبدها أحد الناس لبادر بفعلها دون أن يسأل. عيدكم مبارك وكل عام وأنتم بخير.
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up