رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

مستجدات نمو الاقتصاد والتضخم والتوظيف

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أظهرت أحدث البيانات الاقتصادية المحلية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، تراجع النمو الحقيقي للاقتصاد بنسبة 0.5 في المائة، مقارنة بالربع الأول من 2017 بالربع نفسه من العام الماضي، وتباطؤ النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي للفترة نفسها إلى نحو 0.6 في المائة "بلغ النمو الحقيقي للقطاع الخاص للفترة نفسها نحو 0.9 في المائة"، في الوقت ذاته أظهر معدل التضخم "على أساس ربع سنوي" للفترة نفسها مستوى سلبيا بلغت نسبته 0.3 في المائة، في المقابل أظهرت أحدث بيانات توظيف العمالة السعودية في القطاع الخاص، الصادرة عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حتى نهاية الربع الأول من 2017، انخفاض معدلات التوظيف سنويا بنسبة 3.4 في المائة، ما يشير إلى احتمال ارتفاع معدل البطالة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، علما أن معدل البطالة، وفقا لأحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء، كان قد بلغ بنهاية الربع الرابع من 2016 نحو 12.3 في المائة "5.9 في المائة للذكور، و34.5 في المائة للإناث". جاءت تلك المؤشرات الاقتصادية الكلية، حسبما أصدرته مصادرها الرسمية، متزامنة مع عديد من التطورات الراهنة التي يشهدها الاقتصاد المحلي، بدءا من استمرار انخفاض أسعار النفط للعام الثالث على التوالي، واستمرار وتيرة الإصلاحات الهيكلية العملاقة الجاري العمل بها وفقا لبرنامج "التحول الوطني 2020"، تحت المظلة الأكبر "للرؤية 2030"، التي تستهدف الوقوف بمقدرات الاقتصاد الوطني على أرضٍ صلبة، قوامها قاعدة إنتاجية متنوعة وأكثر تنافسية، تتمتع بدرجة استقلالية أكبر عن النفط وتقلباته. لعل من أهم إجراءاتها الراهنة التي سيشهدها الاقتصاد المحلي؛ بدء تحرير أسعار استهلاك الطاقة محليا، إضافة إلى بدء تحصيل الرسوم على العمالة الوافدة، وكان قد سبقها خلال الشهر الماضي بدء تطبيق الضريبة الانتقائية، وستستكمل بقية الإجراءات اللازمة لتنفيذ برامج التحول والإصلاح الاقتصادي الكلي خلال الأعوام القادمة بمشيئة الله تعالى، التي من أبرزها ما سيشهده مطلع العام القادم؛ بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة "5.0 في المائة"، على جميع المنشآت والمؤسسات التي تزيد إيراداتها على 375 ألف ريال، بما في ذلك البقالات والبناشر والمنشآت الصغيرة. سبق الإشارة في أكثر من مقال ومقام سابق حول تلك الإصلاحات الاقتصادية، أنها الإجراءات والسياسات الاقتصادية التي لا بد من العمل على تنفيذها، بهدف الوصول المتدرج إلى تحرير الاقتصاد الوطني وتنويع قاعدته الإنتاجية، والعمل على انتقاله من الاعتماد المفرط والمعمم على سياسات التحفيز والدعم الحكومي، إلى بيئة أعلى إنتاجية وتنافسية. أخذا بعين الاعتبار؛ أن تلك الإجراءات الإصلاحية قد تترك خلفها آثارا عكسية في الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، خاصة إذا علمنا أن تنفيذ تلك الإصلاحات اللازمة سيأتي خلال فترة زمنية وجيزة جدا، مقارنة بنحو نصف قرن مضى على الوتيرة التي اعتاد اقتصادنا العمل عليها، الأمر الآخر أن تلك التحولات ستشهد تدخلا حكوميا أدنى بكثير مما اعتاد عليه الاقتصاد سابقا، وهو الذي يمس منشآت القطاع الخاص، سواء عبر ترشيد الإنفاق الحكومي الذي ظل يلعب دورا رئيسا لا يستهان به في الاقتصاد الوطني طوال الخمسة عقود الماضية، أو عبر السحب التدريجي خلال فترة قصيرة لمختلف أوجه الدعم والتحفيز. ربما نشهد مزيدا من الضغوط الاقتصادية، التي يجب ألا تثنينا عن المضي قدما في طريق الإصلاح الاقتصادي الراهن، وأن الخيارات الأخرى المتاحة، التي يمكن لها أن تسهم في تخفيف تلك الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة الاعتماد على توسيع العمل بها وتكثيفه متى اقتضت الحاجة ذلك، لعل من أهم تلك الخيارات ما يرتبط أولا بتحسين كفاءة حساب المواطن، الذي يستهدف تقديم الدعم النقدي الشهري والمباشر لأفراد المجتمع المستحقين وفقا ما أُعلن، بهدف امتصاص الآثار التضخمية المتوقعة والمذكورة أعلاه. وثانيا زيادة زخم دعم منشآت القطاع الخاص خلال الفترة القادمة المتزامنة مع تنفيذ إصلاحات الاقتصاد، التي تم تخصيص مواردها بنحو 200 مليار ريال، حسبما أعلنت وزارة المالية مطلع العام المالي الجاري. وعلى أنه يؤمل فعليا نجاح تلك الإجراءات الهادفة لتخفيف الضغوط على كلٍ من الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، والمساهمة في امتصاص أكبر قدرٍ ممكن من الآثار العكسية المحتملة، إلا أنه يجدر الاهتمام والتفكير بزيادتهما متى تطلب الأمر ذلك. وهنا من المهم أن نستفيد من المؤشرات الاقتصادية المستقبلية للخروج بوضع اقتصادي أكثر متانة وتنوعا وقوة خلال وبعد تلك الإصلاحات الاقتصادية اللازمة التحقق. كل هذا بالضرورة؛ استعداد مبكر وعال من قبل الأجهزة كافة ذات العلاقة بتنفيذ برامج وسياسات الإصلاح الاقتصادي، وسرعة استجابة لازمة من قبلها في وقت مبكر متى دعت الضرورة لذلك، عدا أنه يتطلب قبل كل ذلك الضرورة القصوى لأخذ كل تلك التوقعات والاحتمالات في عين الاعتبار منذ تاريخه، وبذل مزيد من الدراسة والبحث والتقصّي على المستويات كافة قبل اتخاذ أي إجراء في هذا السياق، والتأكيد هنا على الأهمية القصوى لتنفيذ سياسات تحرير الاقتصاد الوطني، وتطابق ضرورة تحقيقها، وأن أغلبية الاقتصاديين والمختصين على اتفاق تام بأهميتها، وأن نقاط الاختلاف هنا ــ إن وجدت ــ فهي محصورة فقط حول آليات تنفيذها، وهو ما يثري دون أدنى شك خيارات العمل المتكامل والمشترك من الأطراف كافة، وصولا إلى الأهداف المشروعة لبلادنا واقتصادها التي يأمل الجميع الوصول إليها، وبما ينعكس تحققها في نهاية الأمر- بمشيئة الله تعالى- إيجابا على الاقتصاد الوطني والمجتمع. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up